تعج الأراضي السورية بقواعد وقوات حربية أجنبية، وتبسط أمريكا نفوذها على أجزاء شرق البلاد منذ 2015م.
وتهيمن على آبار النفط بالتعاون مع قوات “قسد”، في حين تتركز القوات الروسية في غرب البلاد وعلى المرافئ في الساحل السوري من بينها ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية.
وهناك خلاف شديد بين أمريكا وروسيا على الكثير من الملفات مثل أوكرانيا وسوريا وكوريا الشمالية، عدا عن نبرة التهديدات من قبل روسيا، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، وهذا يعني أن هناك مواجهة ما قد تحدث بين روسيا وأمريكا في مكان ما من العالم وليس بالضرورة فوق الأراضي السورية، رغم أن القوات الأمريكية مستهدفة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن مسؤولين عسكريين غربيين ومحللين مستقلين توقعوا ذلك منذ مدة طويلة حين قالوا إنها مسألة وقت، ثم يتم استهداف القوات الأمريكية على الأرض في سوريا.
وأي استراتيجية جديدة للدفاع القومي الأمريكي تضع البنتاجون في مواجهة مع الصين وروسيا، وقد تشكل هذه السياسة تناقضات في اتخاذ المواقف والأهداف، وليس بعيداً أن تؤدي تلك المواقف إلى تراجع للقوة الأمريكية على حساب منافسيها أو أن يتم التصعيد في سياسة الحرب واسعة المدى بين الأطراف المتصارعة على الأرض وفي الأجواء السورية، فيما تبدو المؤشرات من داخل الإدارة الأمريكية عن استعداد آخرين للانعتاق من التوترات الداخلية.
وتعتبر موسكو أن سوريا تحتاج إلى مساعدة دولية لإعادة بناء اقتصادها، وإصلاح محطات الكهرباء، وإنتاج النفط لا يمكن استئنافه والاعتماد عليه لأن الحقول لا تزال في مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية، في حين يعتزم المسؤولون في سوريا وروسيا تعزيز الروابط التجارية ومراجعة مشروعات في قطاعات الطاقة والتعدين والكهرباء، وسوريا عازمة على مواصلة العمل مع الحليف الروسي بغية تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين البلدين، بما في ذلك إنجاح الاستثمارات الروسية في الداخل السوري، والشركات الروسية بدأت ببعض المشاريع المهمة، وعلى رأسها إعادة إعمار مرافق البنى التحتية التي تعتبر المحرك الأساسي لعملية إعادة الإعمار الشاملة في سوريا، وتعد تلك الخطوة تحدياً واضحاً للعقوبات الدولية، خاصة قانون قيصر الأمريكي الذي يفرض عقوبات على الدول والجهات التي تدعم السلطات السورية.
وربما يكون من الصعب على الولايات المتحدة إدراك فشلها أمام روسيا، بما يتعلق بفرض عقوباتها في الماضي أو محاولاتها الخاصة اليوم للضغط على موسكو وربما يقود التصعيد للمصالحة، وإذا لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لحوار يتمحور ضمن إطار من المصلحة المشتركة وعلى أساس من الموضوعية والعقلانية، فهذا هو خيارهم وبغض النظر عن الانحياز للعقوبات الأمريكية، تواصل موسكو الدفاع بثبات وحزم عن مصالحها الوطنية ورفض أي عدوان.
وتستهدف العقوبات نفوذ إيران وروسيا في سوريا، في وقت تسعى فيه الدولتان لتعزيز حضورهما في الاقتصاد وإعادة الإعمار، إلا أن النتائج قد لا تأتي على قدر آمال واشنطن نظراً لخبرة موسكو وطهران في الالتفاف على عقوبات اعتادتا عليها، وليس مستبعداً أن تكون للإجراءات تأثيراتها العكسية، إذ عبر إبعاد حركة الاستثمارات التقليدية، تُقلل الولايات المتحدة من التنافس على فرص الاستثمار في سباق تتفوق فيه روسيا، وحصلت موسكو خلال السنوات الأخيرة على امتيازات ومشاريع اقتصادية وتوقيع عدة عقود واتفاقيات مع الحكومة السورية بما فيها تأجير مرفأ طرطوس.
إدارة بايدن تتجه لتبني استراتيجية مختلفة عن إدارة دونالد ترامب السابقة، وتعمل على استعادة الدور الأمريكي في سوريا، ولكن حُسم الأمر في سوريا لصالح روسيا، التي أصبحت صاحبة الكلمة العليا والنهائية في البلاد، وأصبح من مصلحة روسيا أن تغلق ملف الوجود الإيراني في سوريا، وهنا يبدو التوجه الإسرائيلي نحو روسيا بكثافة في الأسابيع الأخيرة جاء ضمن مخاوف إسرائيلية من مبادرة أمريكية لحل الأزمة السورية لا تنسجم مع المصالح الإسرائيلية، ويوسّع بوتين دوره كلاعب قوي في الشرق الأوسط، مستغلاً الفجوة التي خلفها انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، في عهد باراك أوباما، وتركيزها على الصين ومناطق أخرى من العالم جعل المنطقة خالية من الحضور الأمريكي.
وتتفاقم العقوبات مع حالة تدهور الأوضاع الاقتصادية وسيكون الشعب السوري أكثر معاناةً ويرتفع معدل السوريين تحت خط الفقر، وتشهد البلاد نقصاً في المواد الضرورية، وبالتالي ارتفعت الأسعار وعانى السوريون من تآكلٍ أكبر في قدراتهم الشرائية وتراجعٍ في فرص العمل، خصوصاً أن القدرة على استيراد السلع، وبينها المواد الغذائية والوقود أصبحت أكثر تعقيداً.
وفي حال استمرار إدارة الرئيس بايدن في توسيع قانون قيصر، عبر فرض حزم إضافية من العقوبات، وربما تذهب لجهة توسيعها لتشمل النشاط العسكري، للحد من حركة الجيش العربي السوري بالإقدام على مزيد من العمليات العسكرية ضد مناطق خارج سيطرة الدولة، ذلك ما سيتسبب في مزيد من نزيف الدماء السورية والتهجير والتقهقر وإطالة الأزمة.