برغم كل ما يجري من شدّ وجذب بين واشنطن وطهران للتوصل لتوافقات بشأن العودة للاتفاق النووي مجدداً.
فإن الواقع يفرض المضي قدماً في تفكك عناصر الأزمة في تفاصيل المفاوضات، التي يحاول خبراء الإدارة الأمريكية القفز على نتائجها واستعادة العمل بالاتفاق مع التجاوب المحسوب مع المتطلبات الأمنية للجانب الإيراني، والخاصة برفع العقوبات واستعادة الحضور الدولي مجدداً.
وكانت لجنتا خبراء قد بدأتا العمل على صياغة اتفاق العودة للاتفاق الأصلي مع التوقع بألا تكون الانفراجة في الأيام المقبلة، وأن الأمر سيحتاج إلى بضعة أسابيع، أي أن الأمر سيرحل للحسم إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، حيث ستكون الأمور قد اتضحت في إيران بصورة مباشرة، وهو ما أكده إنريكي مورا، منسق المحادثات، حيث أشار إلى تحقيق بعض التقدم، ولكن مع المزيد من التفاصيل يأتي المزيد من التعقيد، فيما لا تزال بعض المطالب التفاوضية الإيرانية محل نظر، منها على سبيل المثال رفع العقوبات القطاعية، مثل الطاقة والتمويل والمصارف والموانئ، إلى جانب قائمة طويلة من الأفراد والكيانات الخاضعين للعقوبات ومسعى الجانب الإيراني لشطب هذه العقوبات، والمعنى أنه لا توجد مواعيد نهائية للتوصل لاتفاق نهائي، كما توحي بعض الرؤى السطحية، وأن المفاوضات الجارية يجب أن تستمر حتى الوصول إلى نتيجة من دون سقف زمني، حيث يسعى الجانبان الروسي والأوروبي للتوصل للاتفاق قبل موعد 22 مايو، التاريخ الذي هددت إيران بأنها ستوقف فيه عمل المفتشين الدوليين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حال لم يتم التوصل لحل سياسي لإنقاذ الاتفاق النووي.
فيما قال مستشار الأمن القومي جاك سوليفان إن المفاوضات في مكان غير معروف، وإنه ليس من المؤكد التوصل لاتفاق، حيث تتجاوز الخلافات الموجودة العقوبات الأمريكية، إلى موضوعات تتعلق بتوقيت بدء الاتفاق وأيضاً بمطالبة الإيرانيين برفع كامل للعقوبات كخيار بديل عن تعليقها، وأيضاً الحصول على ضمانات تمنع تكرار الانسحاب من الاتفاق مرة جديدة.
فيما يسعى الجانب الأوروبي لإقناع الجانب الإيراني – الذي ما زال يطالب برفع العقوبات- بتخفيض سقف التفاوض، وإلا فإن إيران ستخسر، ولكن إيران تتمسك حتى الآن، على الأقل علناً، بضرورة رفع كامل العقوبات مرة واحدة، فيما يرفض الجانب الأمريكي رفع بعض العقوبات المتعلقة بالإرهاب ومكتب المرشد الأعلى.
ورغم أن الصياغة بدأت على الأمور التي تم التوافق عليها، فإن اللجنتين ما زالتا لم تنتهيا من الصياغة، وما زال أمامهما كثير من العمل، وأن عدم حدوث مفاوضات مباشرة بين الوفدين الأمريكي والإيراني لا يساعد في الحسم والجزم بما يتم طرحه من الجانبين، وقد تتم المفاوضات المباشرة عندما يتحقق إنجاز حقيقي في مساراتها، حيث يقوم الاتحاد الأوروبي بعمل ناجح في التوسط بين الجانبين، وإن كان هناك تصور بأن تحقيق أي اختراق حقيقي في التفاوض يجب أن يكون منطلقاً للتوصل للاتفاق المنشود وفقاً لمصالح كل طرف، حيث لا تزال إيران تطالب برفع كل العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، ويصل عددها إلى 1600 عقوبة، تقول واشنطن إنها مستعدة لرفع العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي فقط.
ومعروف أن الإدارة الأمريكية السابقة كانت قد فرضت عقوبات مرتبطة أيضاً ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية، ودورها المهدد للاستقرار في المنطقة، وكذلك عقوبات تتعلق بحقوق الإنسان. وفي الوقت الحالي يخضع البنك المركزي وقطاع النفط في إيران لعقوبات مختلفة مرتبطة بالاتفاق النووي ومقابل ذلك، تطالب إيران برفع كامل للعقوبات المرتبطة بالقطاعين النفطي والمالي ما يسمح لها بأن تبيع نفطها من دون قيود، ولعل هذا الموقف من قبل طهران يعد جزءاً من تكتيكات التفاوض، وهو مهمّ بالنسبة إلى الداخل الإيراني برغم أن الجانبين يعملان على هدف واحد، وهو إعادة العمل بالاتفاق النووي والسعي لانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب، فالولايات المتحدة ملتزمة بالعودة للاتفاق على أساس الامتثال المتوازي.
وحسب مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، فإن الإدارة الأمريكية تواجه تحدّيين في هذه المفاوضات: الأول تحديد العقوبات التي يمكن رفعها مقابل الالتزامات التي ستعود إليها إيران. الثاني: قضية التسلسل التدريجي والأولوية بالنسبة إلى واشنطن الآن تتعلق بـالمحتوى، وهو بالفعل عمل اللجنتين اللتين شُكّلتا خلال الجولة الأولى من مباحثات فيينا، ويشار هنا إلى أن الولايات المتحدة قدمت لإيران أمثلة عن ثلاث فئات من العقوبات: فئة أولى تتضمن العقوبات التي يمكن رفعها وفئة ثانية لن ترفعها، وفئة ثالثة مصنّفة حالات صعبة ما زالت الإدارة الأمريكية تدرس إمكانية رفعها مع التأكيد على أن الإشكالية الجوهرية هي العقوبات المصنّفة في الفئة الثالثة، لأنها فرضت عن عمد عقوبات تحت تسمية الإرهاب.
ومع استمرار هذه المفاوضات، تتزايد الضغوط على إدارة الرئيس جو بايدن لتجنب التعجيل بإعادة العمل باتفاق من دون الضمانات المطلوبة، خاصة مع دخول إسرائيل على الخط لمعرفة تفاصيل ما تقدمه الإدارة من تسهيلات لإيران، فيما ما زال تحرك قيادات الحزب الجمهوري في الكونجرس، للدفع باتجاه فرض مزيد من العقوبات على إيران وتعقيد العودة للاتفاق. كذلك، يبقى تحذير الدول العربية الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط من مخاطر العودة لاتفاق قد يؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة، وهو ما نُقل للوفد الأمريكي الذي قام بزيارة المنطقة مؤخراً، بهدف بث رسالة طمأنة للدول العربية والتأكيد على استمرار الشراكة والتحالف الاستراتيجي .
في كل الأحوال، تبقى أهم العقبات الأساسية في المفاوضات حول قرارات تنفيذية وقّعها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تحمل الأرقام 12959 و13599 و13876 و13949. وتتعلق هذه القرارات بعقوبات مرتبطة بـالمرشد، وأخرى بالقطاع المالي الإيراني، وعقوبات تتعلق بتورط إيران بتجارة السلاح لتمويل الإرهاب من خلال تسليح منظمات في المنطقة، وكذلك في ظل وجود عقبات أخرى تمنع إيران من الاستفادة الكاملة من الاتفاق النووي، تتعلق بتعليق العقوبات لمدة 120 إلى 180 يوماً، عوضاً عن رفعها. وقبل انسحاب ترامب من الاتفاق، كانت العقوبات الأمريكية معلقة، وكان الرئيس يوقع على قرار تنفيذي بشكل دوري يمدد الإعفاءات من العقوبات التزاماً بالاتفاق. وتطالب إيران أيضاً بضمانات لمنع واشنطن من الانسحاب مجدداً من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات.
فهل نصل في ظل هذا الوضع المعقد لنقطة توازن يمكن أن تتحول معها المفاوضات غير المباشرة لمفاوضات مباشرة وتحسم كل الأمور المعلقة بدلا من العودة مجدداً لحلقة الفراغ؟