هل تسيطر تركيا على مستقبل سوريا بنموذج الإسلام السياسي؟
تحدث الكاتب الصحفي المصري عمر عليمات في مقال نشرته صحيفة “الدستور” عن وجود تناغم كبير بين ما يطرحه قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع “أبو محمد الجولاني”، وبين شكل الإسلام السياسي الذي تتبناه تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم قبل أكثر من عقدين من الزمان.
وأشار في المقال إلى أن حزب العدالة والتنمية منذ توليه سدة الحكم قبل أكثر من عقدين تبنى نموذجاً براغماتياً يمزج بين الهوية الإسلامية والواقع العلماني الذي تأسست عليه الدولة التركية الحديثة، فالحزب رغم سيطرته على مفاصل الدولة إلا أنه لم يسعَ لإلغاء القوانين العلمانية والممارسات المجتمعية بشكل جذري، وذلك لتجنب الصدام مع قطاعات واسعة من المجتمع، وضمان قبوله داخلياً وخارجياً، وللحفاظ على استقرار النموذج الاقتصادي الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة والانفتاح على العالم.
فالشرع في تصريحاته الإعلامية قال إن الحاكم مهمته تطبيق القانون، بعد صياغة الدستور، بمعنى أنه لن يتدخل هو وقادته بحريات الناس وشكل حياتهم وممارساتهم اليومية التي ستتبناها الأطر القانونية الجديدة، وهذا ما يشير إلى التوجه نحو التعايش بين النظام الذي سيتم التوافق عليه وبين القيم الدينية التي تتبناها الهيئة وزعيمها.
وهذا التوجه يؤكده حتى اللحظة، بحسب المقال، ما نتج عن الاجتماع الذي تم مع وفد وزيارة الخارجية الأمريكية رفيع المستوى، والذي أكد على جزئية أن الشرع بدا في صورة رجل «عملي»، وهذه العبارة لا يمكن أن تكون اعتباطية، وهي تعني بالضرورة أن ما قاله الشرع خلال اللقاء مع الوفد الأمريكي أظهر أنه يتبنى الواقعية السياسية، وتنفيذ الحلول بدلاً من التمسك بالأيديولوجيات أو الأفكار المجردة، ناهيك عن تأكيداته المتواصلة بحل جميع الفصائل العسكرية ودمجها بوزارة الدفاع، في رسالة واضحة لتطمين المجتمع المحلي والدولي حول مستقبل المقاتلين في الهيئة.
صاحب المقال لفت إلى أن تركيا في هذه المرحلة لها اليد الطُّولَى في سوريا، وهي معنية بتقديم أوراق اعتماد الحكام الجدد إلى المجتمع الدولي، وهذا ما يبرز في حملة العلاقات العامة التي تقوم بها هيئة تحرير الشام، إذ إن كافة تصريحاتها وممارساتها حتى اللحظة محسوبة بالمسطرة، بعيداً عن الارتجال، و”اللمسة التركية” واضحة تماماً في هذه الحملة التي يبدو أن معممة رسائلها معممة مسبقاً على الجميع وصولاً إلى أفراد العمليات العسكرية.
أنقرة حققت أهم أهدافها التي كانت تسعى إليها في المنطقة، وهي معنية بالحفاظ على ما أنجزته في سوريا، ولن تسمح للحكام الجدد بالقيام بممارسات قد تقوض هذا الإنجاز، وفي المقابل فإن الحكام الجدد يدركون تماماً أن الغطاء التركي هو ضمانتهم للحكم، أي أن الطرفان لديهما هدف مشترك، وهذا ما يصب لصالح فرضية تبني “الإسلام السياسي التركي” لضمان القبول الإقليمي والدولي.
وخلص المقال إلى أن الممارسات على الأرض كفيلة بإظهار شكل الدولة الذي تسعى إلى تبنيه هيئة تحرير الشام، والمؤشرات الحالية تدل على أن اليد التركية ترسم الكثير من التوجهات السورية، لحماية مصالحها ونفوذها في سوريا، ويبقى الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، إلى أن يتم وضع خارطة طريق واضحة لمستقبل سوريا.