هل تكرر إسرائيل مشهد هيروشيما في غزة؟ ما أبعاد منطقة القتل؟

ليس مجرد شريط عازل ولا فاصل أمني وإنما “منطقة قتل” تطوق بها إسرائيل قطاع غزة. هذا ما كشفته منظمة حقوقية نقلا عن شهادات لجنود في الجيش.
وروى جنود في الجيش الإسرائيلي تفاصيل عن الأساليب القاسية التي انتهجتها القوات لإنشاء “منطقة قتل” حول القطاع من خلال تدمير أراض زراعية وإخلاء أحياء سكنية بأكملها في القطاع.
ويستند التقرير الصادر عن منظمة “كسر الصمت” الحقوقية الإسرائيلية إلى شهادات جنود خدموا في غزة وشاركوا في إنشاء تلك المنطقة، التي تم توسيعها ليكون عمقها ما بين 800 و1500 متر داخل القطاع بحلول ديسمبر/كانون الأول 2024 والتي عملت القوات الإسرائيلية على المزيد من التوسيع لها منذ ذلك الحين.
توسيع المنطقة العازلة
وتقول إسرائيل إن المنطقة العازلة المحيطة بغزة ضرورية لمنع تكرار هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي شنه مقاتلون ومسلحون بقيادة حركة حماس، والذين تدفقوا عبر المنطقة العازلة التي كان عمقها في السابق 300 متر لمهاجمة عدد من البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة.
ونقل التقرير عن أحد القادة في سلاح المدرعات قوله “الخط الحدودي منطقة قتل. منطقة أكثر انخفاضا. أرض منخفضة ولدينا رؤية شاملة لها”، وفقا لـ”رويترز”.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي حتى الآن على طلب للتعقيب على التقرير.
وجاءت هذه الشهادات من جنود كانوا يخدمون في غزة أواخر 2023 بعد دخول القوات الإسرائيلية القطاع مباشرة وحتى أوائل 2024 ولم تشمل أحدث العمليات لتوسيع الأراضي التي يسيطر عليها الجيش بشكل كبير.
وقال جنود إن القوات استخدمت في المراحل المبكرة لتوسيع المنطقة الجرافات والحفارات الثقيلة، إلى جانب آلاف الألغام والمتفجرات، في تدمير نحو 3500 مبنى، بالإضافة إلى مناطق زراعية وصناعية كان من الممكن أن تكون حيوية في إعادة الإعمار بعد الحرب.
هيروشيما جديدة
وكان تقرير منفصل صادر عن منظمة “جيشاة-مسلك” الحقوقية الإسرائيلية قد أشار إلى تدمير نحو 35 بالمئة من الأراضي الزراعية في غزة، ومعظمها على أطراف القطاع.
ونقل التقرير عن جندي احتياط خدم في سلاح المدرعات قوله “في واقع الأمر، كنا نأتي على الأخضر واليابس. كل شيء. كل مبنى وكل منشأة”. وقال جندي آخر إن المنطقة بدت “مثل هيروشيما”.
وقالت منظمة “كسر الصمت”، والتي أسسها مجموعة من الجنود الإسرائيليين السابقين بهدف رفع مستوى الوعي بتجربة الجنود الذين يخدمون في الضفة الغربية المحتلة وغزة، إنها تحدثت إلى جنود شاركوا في عملية الخط الحدودي ونقلت أقوالهم دون ذكر أسمائهم.
ووصف جندي من وحدة الهندسة القتالية الصدمة التي شعر بها عندما رأى الدمار الذي خلفه بالفعل القصف الأولي للمنطقة الشمالية من قطاع غزة عندما أرسلت وحدته لأول مرة لبدء عمليتها للتطهير.
وقال “كان الأمر يتخطى حدود الواقع، حتى قبل أن ندمر المنازل عندما دخلنا. كان يبدو غير واقعي كما لو كنت في فيلم”.
وأضاف “ما رأيته هناك حسبما بدا لي كان يتجاوز ما أستطيع تبريره إذا احتجت لفعل ذلك. الأمر يرتبط بمدى تناسب ذلك مع الواقع”.
كومة من الركام
وتحدث الجنود عن تجريف للأراضي الزراعية ومنها أشجار الزيتون وحقول الباذنجان وغيرها، وذلك علاوة على تدمير مناطق ومنشآت صناعية من بينها مصنع وشركة.
وحكى أحد الجنود عن “منطقة صناعية ضخمة ومصانع كبيرة تحولت إلى مجرد كومة من الركام والخرسانة المحطمة”.
وأسفرت العملية العسكرية الإسرائيلية حتى الآن عن مقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني، وفقا لبيانات السلطات الصحية في غزة التي لا تفرق بين المدنيين والمسلحين. ويقدر الجيش الإسرائيلي أنه قتل نحو 20 ألفا من المسلحين.
وأدى القصف إلى تدمير مساحات واسعة من القطاع ونزوح مئات الآلاف إلى خيام أو الإقامة في عقارات تضررت بفعل القذائف.
وأفاد التقرير بأن الجيش اعتبر أن العديد من المباني التي هُدمت كانت تستخدمها حماس، ونقل عن جندي قوله إن بعضها احتوى على متعلقات للرهائن. لكن هُدمت منشآت أخرى كثيرة ليس لها صلة بأي من ذلك.
لا قواعد للاشتباك
ولم يُسمح للفلسطينيين بدخول المنطقة وكان الجيش يُطلق عليهم النيران إذا حاولوا، لكن التقرير نقل عن جنود قولهم إن قواعد الاشتباك فضفاضة وتعتمد بشكل كبير على القادة الميدانيين.
وقال القائد في سلاح المدرعات “يتخذ قادة السرايا قرارات متنوعة بهذا الشأن، لذا فالأمر في النهاية يعتمد على شخصياتهم. لكن لا يوجد نظام للمساءلة عموما”.
ونقل التقرير عن جندي آخر قوله إن الذكور البالغين الذين شُوهدوا في المنطقة العازلة قُتلوا، لكن كانت نيران تحذيرية تُطلق إذا كانوا من النساء أو الأطفال.
وقال الجندي “في معظم الأحيان كان الأشخاص الذين يدخلون المنطقة العازلة من البالغين. ولم يدخل الأطفال أو النساء تلك المنطقة”.