اخترنا لكم

هل يتصالح العراق مع محيطه العربي عبر القمة الثلاثية؟

د. شاكر نوري


ظل العراق يتخبط في سياساته منذ عام 2003 ولم يتمكن من الخروج من العباءة الايرانية، وظل يدور في فلك إيران وسياستها التي زادت من عزلته عن محيطه العربي لأكثر من عقد ونصف.

 لم يحصل في التاريخ أن قامت العلاقات بين الدول على أسس طائفية ومذهبية، بعيدة عن المنطق والعقلانية والمصلحة، إذ أن الدول والبلدان لا تنتعش ولا تزدهر إلا بوضع مصالحها في أولوياتها الوطنية.

 أثبتت التجربة أن التبعية للاقتصاد الإيراني المضطرب أساسًا لا تصب في صالح العراق ومستقبله، فالعراق بحاجة إلى خيار عصري وعلماني آخر قائم على العلاقات الدولية والمصالح المشتركة.

 إن عدم تطور العراق وتخلف تنميته طيلة هذه السنوات يعود إلى هيمنة الأحزاب الدينية والمليشيات على المنافذ الحدودية مع إيران والبلدان الأخرى. وجميع هذه الموارد تذهب سدى إلى الأحزاب القوى غير الشرعية المهيمنة على المشهد السياسي، ولا تذهب إلى تنمية العراق. وهذا ما أدى إلى حدوث شرخ كبير في بنية العراق الذي أغرقته إيران بالبضائع الردئية والمواد الغذائية الفاسدة وغير ذلك من دخول المواد الممنوعة إلى العراق.

مع مجيء رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي تغيرت الأمور، وعلى الأقل ظاهريًا، فالرجل أدرك أن العراق معزول عن محيطه العربي.

وهنا يتولد السؤال المنطقي:

لماذا لا تريد الأحزاب الدينية والمليشيات أن تزدهر علاقات العراق مع محيطه العربي؟

قد تكون الإجابة متشعبة ومعقدة، وقد أدركت الأحزاب والمليشيات أن العلاقات مع المحيط العربي ستعمل على حرمانها من الموارد غير الشرعية التي تأتيها من إيران.

ظل العراق بعيدًا عن الإعمار والتنمية العصرية، وغافلاً عن مصالحه الوطنية، لأن الطبقة السياسية لا تهتم إلا بما يصل إلى حساباتها من موارد.

لماذا يحرم قادة العراق وحكامه هذا الشعب من أواصره الأخوية وعلى الخصوص مع دول الخليج العربية ؟

سؤال لم يجد إجابته حتى الآن، ومن المؤكد أن عودة العراق إلى محيطه العربي من شأنها أن تخيف إيران، وتهدد مصالحها، وهي في حالة حصار يخنق اقتصادها. فقد تحول العراق إلى حديقة خلفية لإيران.

تعتمد العلاقات الحقيقية على التعامل والتعاون مع البلدان العربية والإقليمية من خلال مصالحه الوطنية أولاً، بينما لا يزال العراق فاقدًا لمكانته الإقليمية مع محيطه العربي.

يبحث الكاظمي في فك عزلة العراق عن محيطه العربي خاصة وأنه مقبل على انتخابات جديدة قد تقلب المعادلات رأسًا على عقب. لذا يتوجب بناء علاقات طبيعية مع الدول العربية والإقليمية والدولية من تعزيز التكامل الاقتصادي والإنمائي والثقافي في إطار العلاقات التي تفرض نوعًا من الحركية والتفاعل.

 أخفق العراق مع تبدل حكوماته في مجال الدبلوماسية التي تحكمت بها شخصيات لا تجيد هذا العلم والفن. ومن ذلك فشل العراق في مد علاقاته مع محيطه العربي، ما أدى إلى عزلته أكثر فأكثر. وإذا ما استمر العراق في عزلته، فلن يكون له أي ثقل في المجتمع الدولي في التفاعل مع البلدان الأخرى، وخاصة بلدان الخليج التي يوجد فيها بنية تحتية وخبرات هائلة يمكن الاستفادة منها في بناء العراق وبعث صرحه من جديد.

 وبالتوازي مع مد العراق يده إلى كل من مصر والأردن في القمة الثلاثية يتوجب عليه القيام بإجراءات وخطوات استراتيجية جوهرية منها: تحسين الظروف المعيشية للشعب، وإنقاذ الاقتصاد العراقي والاستعداد للانتخابات البرلمانية المبكرة، وإنهاء وجود القوات الأجنبية والأمريكية في العراق، ومحاربة الفساد وتقديم الفاسدين إلى القضاء. وهذا من شأنه أن يساهم في استقرار المنطقة ومواجهة الإرهاب والتطرف وإعادة الموازين المختلة في المنطقة.

 يتحرك العراق لفك عزلته في ظروف صعبة للغاية، فهو يقيم علاقات مع دول لها أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية أيضًا، وهذا ما يضفي تعقيدًا آخر إلى القمة الثلاثية، رغم أن هذه الخطة أفضل من الركون إلى العزلة والقوقعة على الذات.

على أي حال، السؤآل المطروح هو: هل القمة الثلاثية ستكون استراتيجية في ردع التدخلات الخارجية التي تزعزع الأمن العربي؟ وما هو شكل هذا الردع؟، وهو ما لم يشرحه القادة الثلاثة في القمة. لكن الجديد بالنسبة للعراق هو عودته إلى التمسك بالعمق العربي والانفتاح عليه بعد أن كان غائبًا عنه لسنوات طويلة.

 ولعل من نتائج القمة الثلاثية التعاون في المجال الاقتصادي الذي تتطلبه الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلدان الثلاثة مصر والعراق والأردن، وتعاونها من شأنه أن يسد الثغرات الموجودة في كل بلد، رغم ظروف وباء الكورونا.

هل ستكون العلاقات الثلاثية عابرة أم استراتيجية تقوم على المصالح الحيوية للبلدان الثلاثة؟

 الكل يتساءل، والكل يأمل، والكل يتوقع.

لا شك أن استغلال الموارد بين البلدان الثلاثة، ولكل بلد إمكاناته وخصوصياته، سيمكنها من تجاوز الكثير من العقبات الصعبة في مجال الطاقة والاقتصاد والصحة.

هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

تقلا عن العين الإخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى