الشرق الأوسط

وثيقة تكشف عن خطة الاحتلال لتهجير سكان غزة إلى مصر.. ما القصة؟


أعدت الاستخبارات الإسرائيلية وثيقة تتضمن اقتراحاً لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء. في ‏اليوم التالي للحرب. رغم تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه. وفشل الكيان الصهيوني بكل ‏أسلحته الفتاكة وطائراته الحربية ومجازره بحق الأطفال والنساء في إجلائهم من مناطقهم.‏

وبحسب الوثيقة، التي نشرتها صحيفة (هآرتس) العبرية. ستعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي على تحقيق ‏الإخلاء أوّلاً إلى مدن الخيام. وبعد ذلك إلى الأماكن الدائمة التي سيتم إنشاؤها في شمال ‏سيناء. وفق ما نقلت وكالة (معاً).‏

وتتضمن المبادرة توجيهاً بإنشاء “منطقة معقمة” لعدة كيلومترات داخل مصر. وعدم السماح ‏بعودة السكان بالقرب من الحدود الإسرائيلية. ‏

وأكدت وزارة الاستخبارات وجود الوثيقة. لكنّ مسؤولاً مشاركاً في تشكيلها قال إنّه من غير ‏المتوقع أن تناقش الحكومة اعتماد الاقتراح‎.‎

بالمقابل، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اتصال تلقاه من نظيره الأمريكي جو ‏بايدن أنّ بلاده لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى أراضيها.‏

وقالت الرئاسة المصرية‎ في بيان لها: إنّ الرئيسين ناقشا مجمل الوضع الأمني في الشرق ‏الأوسط، ومستجدات التصعيد العسكري في قطاع غزة. وأهمية الحيلولة دون توسع دائرة ‏الصراع للمحيط الإقليمي‎.‎

وشدد الرئيس المصري على ضرورة التوصل إلى هدنة إنسانية فورية. لتعزيز الجهود ‏المصرية مع الأمم المتحدة والأطراف الفاعلة -وعلى رأسها الولايات المتحدة- لإيصال ‏المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية إلى أهالي قطاع غزة‎.‎

ومنذ بداية الأحداث في غزة تكرر السلطات المصرية رفض مخطط تهجير سكان غزة ‏للأراضي المصرية، وتحديداً سيناء المتاخمة للقطاع. بالتزامن مع دعوات إسرائيلية رسمية ‏إليهم بالنزوح‎.‎

ورغم المجازر التي يرتكبها، فشل الكيان الصهيوني في إجلاء الفلسطينيين من المناطق ‏الشمالية إلى الجنوبية. بهدف الضغط على النظام المصري لإدخالهم إلى أراضيه. واللافت ‏عودة النازحين من المناطق الحدودية مع مصر إلى شمال القطاع، ممّا يعكس تمسك ‏الفلسطينيين بأراضيهم.‏

هذا، وتعود جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة 1948. في ‏ذلك الوقت رأى القادة الإسرائيليون أنّ وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل ‏تهديداً لطابع الدولة اليهودية.

وتقدمت مؤسسات إسرائيلية مختلفة بمشاريع لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ونقلهم إلى خارجها. وفي عام 1968 قدمت وزارة ‏الخارجية الإسرائيلية مشروعاً يهدف إلى تشجيع الفلسطينيين في غزة على الانتقال والعيش في الضفة الغربية. ومن ثم إلى الأردن وبلدان ‏أخرى في العالم العربي. وقد نُفِّذ هذا المشروع بشكل غير مباشر وعفوي. دون أن يظهر أنّه مدبَّر من إسرائيل. ومع ذلك، لم يحقق هذا ‏المشروع نجاحاً يُذكر؛ بسبب رفض الفلسطينيين في القطاع الانتقال إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي‎.‎

في عام 1968 نفسه، ناقشت لجنة في الكونغرس الأمريكي خطةً لتهجير طوعيّ لنقل (200) ألف فلسطيني من غزة إلى دول أخرى مثل ‏ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، ولكنّ هذه الخطة فشلت؛ بسبب رفض كثير ‏من الدول استضافة الفلسطينيين على أراضيها‎.‎

في عام 1970 حاول أرئيل شارون، الذي كان قائداً في الجيش الإسرائيلي. وأصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، تفريغ قطاع غزة من سكانه. ‏ونقل مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية وألقاهم في مناطق مثل سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي. وعائلات أخرى ‏وُجِّهت نحو العريش على حدود غزة. وتضمنت خطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في ‏مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك. وكان الهدف من هذه الخطة هو إحداث تغيير في التوزيع السكاني في غزة بهدف القضاء ‏على المقاومة وتخفيف الاكتظاظ السكاني. حيث كان عدد السكان في ذلك الوقت يبلغ (400) ألف نسمة‎.‎

وعلى الرغم من أنّ هذا المشروع حظي ببعض الانتشار في ذلك الوقت. إلى جانب سياسة “الجسور المفتوحة” للفلسطينيين مع مصر ‏والأردن التي دعا إليها وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك. موشيه ديان، إلا أنّ الموضوع اقتصر على سفر الفلسطينيين إلى مصر للدراسة ‏والعودة مرة أخرى. أو الذهاب إلى دول الخليج للعمل‎.‎

في عام 2000 قدم اللواء في الاحتياط غيورا أيلاند، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مشروعاً يُعرف باسم “البدائل ‏الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”. نُشر هذا المشروع في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية‎.‎

يستند المشروع إلى افتراض أنّ حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، بل هو مسؤولية تشترك فيها (22) دولة عربية‎.‎

وفقاً للمشروع، ستقدم مصر تنازلاً عن (720) كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة. تتألف هذه الأراضي ‏من مستطيل يبلغ طول ضلعه الأول (24) كيلومتراً، يمتد على طول الساحل من مدينة رفح إلى حدود مدينة العريش في سيناء. والضلع ‏الثاني طوله (30) كيلومتراً من غرب معبر كرم أبو سالم ويمتد جنوباً بالتوازي مع الحدود المصرية الإسرائيلية‎.‎

تكون المنطقة المقترحة مساحتها مضاعفة لمساحة قطاع غزة. وتعادل (360) كيلومتراً مربعاً، وتمثل 12% من مساحة الضفة الغربية. في ‏المقابل، يتنازل الفلسطينيون عن المساحة المقترحة نفسها  في سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها السيادة الإسرائيلية‎.‎

على جانب آخر، ستحصل مصر على تبادل للأراضي مع إسرائيل في جنوب غرب النقب (منطقة وادي فيران) بالمساحة نفسها، مع منحها ‏امتيازات اقتصادية وأمنية ودعماً دولياً. وعلى الرغم من التركيز الإسرائيلي على هذا المشروع، فإنّ توقيت صدوره كان سبباً في فشله. ‏حيث جاء بعد تعثر مفاوضات كامب ديفيد بين ياسر عرفات وإيهود باراك، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وإغلاق صفحة المفاوضات ‏الثنائية لعدة أعوام‎.‎

في عام 2004 قدم يوشع بن آريه، الرئيس السابق للجامعة العبرية. مشروعاً مفصلاً لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء، استناداً إلى ‏مبدأ تبادل الأراضي بين مصر وإسرائيل وفلسطين. والمعروف سابقاً بمشروع (غيورا أيلاند‎).

تتضمن الفكرة تخصيص أراضٍ في سيناء للدولة الفلسطينية، وتحديداً منطقة العريش الساحلية، مع إنشاء ميناء بحري عميق وخط سكك ‏حديد دولي بعيد عن إسرائيل. ومدينة كبيرة تحتضن السكان، وبنية تحتية قوية، ومحطة لتوليد الكهرباء، ومشروع لتحلية المياه‎.‎

بموجب المشروع، ستحصل مصر على أراضٍ في صحراء النقب جنوب إسرائيل بالمساحة نفسها التي ستمنحها للفلسطينيين في سيناء، ‏وتبلغ نحو (700) كيلومتر مربع، مع توفير ضمانات أمنية وسياسية لإسرائيل بعدم وجود بناء للمستوطنات في المنطقة الحدودية مع مصر. ‏والسماح لمصر بإنشاء شبكة طرق سريعة وسكك حديدية وأنابيب لنقل النفط والغاز الطبيعي‎.‎

وعلى الرغم من أنّ المشروع اعتمد بشكل كبير على أفكار مشروع أيلاند السابق. فإنّ تزامن إعلانه مع انسحاب إسرائيل من قطاع غزة. ‏وفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية. وسيطرتها على غزة، وفرض الحصار الإسرائيلي عليها، جعل من الصعب تحقيق نجاح ‏المشروع‎.‎

ومشروع صفقة القرن، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2020 تحت عنوان “السلام على طريق الازدهار”. كان ‏آخر مشاريع التسوية المقدمة لقضية غزة‎.‎

لم يختلف مشروع صفقة القرن كثيراً عن المشاريع السابقة للتسوية. حيث تضمن المحاور نفسها. بما في ذلك تنازل مصر عن أراضٍ في ‏سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص. وتأسيس ‏دولة فلسطينية في تلك المنطقة مع شرط أن تتخلص من السلاح‎.‎

لقد حظيت صفقة القرن بتأييد كبير وتجمع دولي. وكانت الخطة على وشك التنفيذ بعد التوافق الذي جرى التوصل إليه بين ترامب ومصر ‏والسعودية وإسرائيل بشأن تفاصيل كثيرة. ومع ذلك، بعد خسارة ترامب في انتخابات الرئاسة لفترة ثانية. فشل الأمريكان في تنفيذ الصفقة. ‏وعلى الرغم من أنّ الإدارة الأمريكية الديمقراطية تدعو الآن إلى مبادرات مشابهة. فإنّ ذلك ما يزال يعكس روح صفقة القرن. حتى وإن ‏لم تحمل الاسم نفسه‎.‎

هذا، ويشن الجيش الإسرائيلي لليوم الـ (23) على التوالي حرباً على غزة، استشهد فيها (8005) ‏فلسطينيين، بينهم (3324) طفلاً، و(2062) امرأة. و(460) مسنّاً، بحسب وزارة الصحة في ‏القطاع.‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى