يورانيوم بلا أثر.. المجتمع الدولي يواجه معضلة جديدة مع طهران

منذ نهاية الحرب الباردة، أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لمراقبة كميات اليورانيوم حول العالم بدقة لكنها تجد نفسها اليوم محرومة من هذه الأفضلية في مواجهة إيران.
وشملت الجهود الأمريكية تمويل عمليات المراقبة التي تقوم بها الأمم المتحدة، وتنظيم قمم أمنية، وإعادة نحو 7000 كيلوغرام من هذه المادة المشعة إلى 47 دولة، في مسعى للحد من مخاطر استخدامها في صناعة الأسلحة النووية، بحسب وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية.
لكن الجهود الدولية التي استمرت ثلاثة عقود لمراقبة المخزون النووي الإيراني انهارت بين عشية وضحايا في 13 يونيو/ حزيران الماضي، مع توقف عمليات التفتيش الدولية عقب الضربات الإسرائيلية على منشآت إيرانية.
الوضع الراهن: مخزون نووي في ظل الغموض
ووفقا لآخر بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمتلك إيران 409 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصَّب بدرجة تقترب من المستوى العسكري (60%)، بالإضافة إلى 8,000 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب (20% وما دون).
واليوم، ولأول مرة منذ بداية إنتاجها للوقود النووي أوائل الألفية، تُحرم الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إجراء أي عمليات تفتيش، ما يفتح الباب أمام احتمال أن تكون إيران قد أخفت مخزونها في منشأة سرية.
ويتوقع أن يمنح فشل الولايات المتحدة وإسرائيل في تدمير أو تتبّع هذه الكمية من الوقود النووي إيران ما يُعرف بـ”الغموض الاستراتيجي” — ورقة ضغط جديدة في أي مفاوضات مقبلة.
إرث الحرب الباردة ومفهوم الغموض
يعود مفهوم “الغموض الاستراتيجي” إلى إستراتيجية الحرب الباردة التي صاغها الاقتصادي الحائز نوبل توماس شيلينغ، كأداة لردع الصراع عبر ترك مساحة لتخمين القدرات والنوايا النووية للخصم.
ورغم إمكانية تقليص هذا الغموض عبر تقنيات استخباراتية (كالأقمار الصناعية أو الجواسيس)، يظل التحقق الميداني المباشر ضرورة قصوى لمنع تحويل المواد للأغراض العسكرية، لأن 25 كيلوغرامًا فقط من اليورانيوم عالي التخصيب كافية لصنع قنبلة نووية.
وفي هذا السياق، يُشكِّل المخزون الإيراني الحالي تهديدا نظريا لإمكانية استخدامه في إنتاج 24 قنبلة نووية إذا جرى تخصيبه بالكامل.
سيناريوهات المواجهة الثلاثة
أمام المجتمع الدولي مسارات محددة للتعامل مع أزمة الغموض النووي الإيراني:
1 – التقبُّل السلبي: وهو ما يعني الاكتفاء بنتائج الضربات الأخيرة وافتراض تدمير البرنامج النووي، لكن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطرة كبرى تتمثل في بقاء اليورانيوم الإيراني صالحا للاستخدام العسكري لآلاف السنين.
2 – القضاء على الغموض: والسعي لإجبار إيران على الكشف عن مصير مخزونها عبر ضغوط سياسية أو عسكرية متصاعدة، وقد يتطلب ذلك تدخلا بريا مباشرا نظرا لعجز الضربات الجوية وحدها عن تأمين التحقق الشامل.
3 – الغموض المُدار، والمتمثل في اعتماد حلٍّ دبلوماسي يجمع بين التقنيات غير المباشرة (الاستشعار عن بُعد، والتحليل الإحصائي) والتحقق الميداني المحدود، عبر إطار دولي مشابه لآلية تفتيش الوكالة الدولية السابقة. لكن هذا المسار يواجه تحديات تعثُّر التعاون الدولي ورفض طهران.
ويظل التحدي الأكبر في قدرة العالم على تحمُّل غموض نووي يُخفي مخزونا كافيا لصنع 24 قنبلة؟ خاصة مع انهيار الآلية الوحيدة التي كبحت – لعقدين – تحوُّل البرنامج الإيراني إلى تهديد وجودي، في ظل غياب ضمانات ضد تحويل هذا اليورانيوم إلى سلاح خلال أي مفاوضات معلَّقة.