اخترنا لكم

التسوية السياسية الشاملة.. المسار الوحيد لسلام الشرق الأوسط

أمل عبد الله الهدابي


وضع اتفاق وقف النار الذي تم التوصل إليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين بضغط وتدخل مصري أمريكي.

 حداً للصراع الدموي بين الجانبين الذي امتد إلى أكثر من 11 يوماً ودفع ثمنه بالأساس المدنيون الأبرياء، لا سيما من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق. ولكن هذه الهدنة التي صمدت ونجحت في تثبيت وقف إطلاق النار، تطرح تساؤلاً مهماً: هل ستكون هدنة مؤقتة يعود بعدها الجانبان للدخول في موجة جديدة من الصراعات والحروب الدموية، في مشهد عبثي لا ينتهي أبداً، ويقدم هدية للمتطرفين في كل جانب؟ أم تكون مقدمة لتحركات جادة للوصول إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

الدرس الرئيسي الذي يمكن أن نخلص إليه من هذه المواجهات الأخيرة وما أسفرت عنه من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، هو أنه لا يوجد منتصر في هذه الحرب، بالرغم من مسارعة الجانبين إلى إعلان تحقيق النصر، فالطرفان دفعوا فاتورة باهظة من أرواح المدنيين وفقدان الأمن والدمار الذي لحق بالبنية التحتية. ومع أن الخسائر الفلسطينية كانت أكثر وطأة بسبب موازين القوة المختلة بين الجانبين، فإن مشاهد القتل والدمار أضرت بصورة أكبر بصورة إسرائيل في العالم، وزادت من تعاطف الكثيرين حول العالم مع الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.

الدرس الآخر الذي خلص إليه العالم هو أن تحقيق السلام والاستقرار والأمن في الشرق الأوسط لن يتحقق بصورة كاملة إلا من خلال الوصول إلى تسوية سياسية شاملة وعادلة لقضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فهذا الصراع لا يتعلق فقط بطرفيه، ولكنه يمثل لب مشكلات المنطقة كلها، حيث بات هذا الصراع المطية التي تحاول كل القوى الراديكالية والمتطرفة في المنطقة استغلالها لتحقيق أجنداتهم الخاصة، فالجماعات الإرهابية والمتطرفة، وعلى رأسها الإخوان، تستغل هذا الصراع ومعاناة الشعب الفلسطيني في الترويج لأجندتها المتطرفة وخطاباتها التي تحض على العنف والكراهية والتطرف، وتجنيد الشباب والمتعاطفين مع القضية الفلسطينية في صفوفها بعد توجيه الاتهامات للحكومات العربية بالخيانة والتآمر والضعف ومحاولة تأليب الشعوب ضدها.

هذه القضية تستغلها أيضاً القوى الراديكالية في المنطقة الطامحة لتعزيز نفوذها الإقليمي والطامعة في ثروات منطقتنا ومواردها. وقد شهدنا في الأزمة الأخيرة كيف عملت هذه الدول والجماعات التي تدور في فلكها على زيادة منسوب التحريض وتسخين أجواء الأزمة لتحقيق أهداف خاصة بهم، في حين أننا لا نكاد نلمس أي دور حقيقي لهم في رفع معاناة الشعب الفلسطيني، مثل ذلك الدور المهم والحاسم الذي لعبته مصر في الضغط على كل الأطراف للتوصل إلى وقف لإطلاق النار لحماية أرواح المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني.

وهذه الفكرة الأخيرة تقودنا لنقطة أخرى مهمة، أو درس آخر مهم يجب أن يضعه الفلسطينيون في اعتبارهم، وهو أن الحاضنة العربية لقضيتهم هي التي ضمنت لها البقاء باعتبارها قضية العرب الأولى، وأن محاولة التنكر لهذه الحاضنة أو الارتماء في أحضان قوى إقليمية مثل إيران وتركيا لن يخدم قضيتهم، بل سيضرها، لأن هذه الدول تتاجر بمعاناة الشعب الفلسطيني ولا يهمها مصالحه، مثلما هو الحال مع الدول العربية التي دخلت في حروب طويلة دفاعاً عن الحق الفلسطيني، وتقود الآن معركة التسوية السلمية للوصول إلى هذه الحقوق وتأكيدها.

لقد وصلت الرسالة واضحة هذه المرة إلى جميع الأطراف المعنية بالسلام في الشرق الأوسط، وهي أن التسوية السياسية الشاملة والعادلة هي المسار الحتمي الوحيد لتحقيق سلام واستقرار دائمين في المنطقة، وتجسد ذلك بوضوح في عودة الحديث من جديد عن حل الدولتين باعتباره الأساس للتسوية، حيث أشار عدد من القادة الدوليين، بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى حل الدولتين طويل الأجل للشرق الأوسط، فيما أعلنت إدارته عن توجه وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة قريباً لإعادة إحياء مسار السلام.

وبالتالي فإن ثمة فرصة جديدة للدفع بقطار التسوية السلمية للوصول إلى محطته الأخيرة، وهي فرصة يأمل الجميع، باستثناء المتطرفين والقوى الراديكالية، في استثمارها هذه المرة لتنعم المنطقة بالسلام والرخاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى