من الضروري لدولنا أن تستغل مناخ الجائحة والحملة الدولية ضد التضليل عبر الإنترنت لرفع وتيرة وحدّة تعرية المتأسلمين السياسيين – خاصةً مع ارتكابهم لخطأ استراتيجي كبير باستثمارهم لفيروس كورونا في زيادة إحباط الأوساط الشعبية بالإشاعات والمعلومات المغلوطة، والتباكي على تقييد الحركة وتراجع الاقتصاد؛ وكأن الجائحة يمكن القضاء عليها وعلى تبعاتها تماماً بإرادة الدولة.
تتمثّل إحدى الأدوات في تسليط الضوء على حسابات التواصل الاجتماعي التي دأبت على نشر السلبية أثناء الجائحة، وحصر المعلنين فيها، إذ في الغالب يسعى هؤلاء إلى صنع الشعبية لمنابرهم الإلكترونية لتقع الأنظار على إعلانات تخص أطرافاً منهم. وبعد التحقق ضمن الأوساط الشعبية من تكرار إعلان مشاريع التأسلم الحزبي عبر حسابٍ ما، يتم التشهير – كذلك شعبياً – بشبهة العلاقة بين المنصة ومعلنيها وأن حراكهم متعدد الأهداف (حرب معلومات والترويج لمشاريع حزبية وإكساب صاحب المنصة بعض الأرباح)، ويتم ضرب الدورة المالية التكافلية المغلقة في أوساطهم الإلكترونية.
أداة أخرى مهمة هي إبرام الاتفاقيات مع إدارات منصات التواصل الاجتماعي الكبرى والشائعة لتفعيل مزايا يتفق عليها الطرفان لكشف وتحييد أثر المجموعات الآلية للنشر الوهمي bot farms، وعندها يكون قد تحقق إبطال أثر تزييف الرأي العام، ومعه ضرب صفقات مشبوهة بين مدراء هذه المجموعات من الهاكرز ومن يدفع لهم. نجد مثالاً حديثاً في تعليمات الاتحاد الأوروبي المقترحة مؤخراً ضد عمالقة التقنية، بحيث يواجهون غرامات نظير تسليعهم للمعلومات المضللة والتكسب منها، وبذلك مثلاً تكسب الدولة مدخولاً من تغريم فيسبوك إلى جانب تغريم كتائب الإخوان الإلكترونية وغيرهم.
أداة أخرى فاعلة هي حملة التشويه المضاد، إذ أن الطرف الساعي لتشويه جهود الدولة للتعافي يضع نفسه قيماً على النوايا والدوافع العامة والشعبية، وهو إن تم كشفه فالأحرى أن يُكشف معه ما له وعليه، وسوابقه في السعي لتشويه الجهود العامة والتضليل والافتئات والكذب، وحبذا لو أُبرزت تناقضات أفعاله السابقة مع ادعاءاته على الآخرين والدولة. باختصار يجب اغتيال الطرف السيبراني المغرض معنوياً أكان شخصاً أم جماعة.
لتحصين النشء، لا بد من تضمين المناهج التعليمية في المدارس لأسس وأدوات إكساب مهارات التحقق من المعلومة، وشروط استبعاد الرسائل الظاهرة أو الضمنية لكل مرحلة عمرية ودراسية، ليتشكل لديهم وعي سياسي وإعلامي يستمر وينمو مع إدراكهم، ويحصنهم تجاه هذه الأساليب المزمنة التي تتطور أدواتها لكن تبقى أسسها متشابهة.
أما الفائدة طويلة الأمد، فتتمثل في زيادة وعي ورسوخ قناعات الرأي العام الشعبي في المعلومة المنقحة، ومن ورائها الجهد الرسمي الذي تبذله الدولة ويبذله كل طرف صادق، مقابل وأد مساعي أي طرف يحاول إحياء التدليس السيبراني والتضليل الإعلامي بالاعتماد على الأدوات المذكورة سالفاً وما يستجد على نمطها، فتكون الدولة قد حققت الإجهاد السياسي المضاد لأحزاب وجماعات دون الدول وعملاء كانوا هم من بادرها بالمحاولات الساعية لذلك، فينقلب السحر على الساحر باستمرار.