كتب سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على حسابه في تويتر: “وصلنا بحمد الله بغداد، عاصمة الرشيد والمأمون وعاصمة العالم، دار السلام، بيت حكمة البشر، بغداد الشعراء والأدباء والعلماء”.
واستكمل في تغريدته: “بغداد دجلة والفرات، رغم جراحها متفائلين بعودتها ونهضتها، حفظ الله شعب العراق العظيم”.
وجاءت هذه التغريدة لتؤكد التوجه الاستراتيجي الإماراتي نحو مزيد من التقارب الإقليمي البنّاء، الذي يؤسس لعلاقات جديدة في مرحلة هي الأشد خطورة من عمر الإقليم والمنطقة.
تلك الخطورة بالطبع لكونها تأتي في ظل تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية قاسية لجائحة فيروس كورونا وعودة انتشاره عبر متحور جديد، “دلتا”، وبالتزامن مع عودة حركة “طالبان” إلى المشهد السياسي بحكم أفغانستان، وهي الحركة التي تبدو ليست بمنأى عن مصير النظام، الذي أسقطته ببنادقها، إذا لم تقرن القول بالفعل، وتعمل على تحديث ممارستها الحكم لتستقطب جميع الأطياف الأفغانية، ومواجهة التأثير المتزايد لتنظيم “داعش” الإرهابي في الداخل الأفغاني، حتى وصل الأمر به إلى اقتحام منطقة مطار كابول المحصنة بآلاف الجنود الدوليين، مخترقا كذلك الإجراءات الأمنية لعناصر “طالبان” المحيطة بالمطار.
وبين “كورونا” و”داعش” وتحديات أسواق الطاقة والتغير المناخي الأكثر إلحاحا من أي وقت مضى، انعقد مؤتمر بغداد تحت شعار “الأمن والسلام”، واضعا كل طرف في الإقليم أمام مسؤولياته التاريخية المصيرية، فإما أن يعمل بما يُمليه عليه الضمير الإنساني والمصلحة الوطنية والإقليمية المشتركة، وإما أن يسبح عكس التيار فيجد ما لا تحمد عقباه، وينتهي الأمر به إلى العزلة والتلاشي والسقوط.
لقد أعلى المشاركون في مؤتمر بغداد غاية التقارب فوق كل اعتبار، وكانت لهم مواقف مشكورة أصيلة اتسمت بتغليب مبادئ حسن الجوار ونصرة الجار، والوقوف إلى جانب الأشقاء في العروبة والدين، كما حمل المشاركون هموم سوريا ولبنان واليمن، وليس العراق فقط، وإن لم يعلَن كثير مما اتفقوا أو توافقوا عليه، حتى إن الجميع التقوا ناظرين إلى ما يحمله المستقبل القريب من مبادرات لرأب الصدع وتجاوز الخلافات، التي شغلت المنطقة طوال العقد الماضي.
وهنا، كما في كثير من المحطات الهامة في تاريخ المنطقة، برزت الإمارات منذ ما قبل انعقاد مؤتمر بغداد، كقوة ناعمة مؤثرة في قرارات المنطقة ومصيرها.
وبدا ذلك في لقاءات مستشار أمنها الوطني، وتصريحات قيادتها الرشيدة، ولقاءاتها قبيل المؤتمر وخلاله، كما لو أنها تقنع الإقليم المضطرب بجدوى السلام والتوافق، لما في ذلك من خير للمنطقة والإنسانية.
وها هي الإمارات تنتقل من محطة سلام إلى أخرى، مستندة إلى خبرة في الحِكمة قبل الحُكم، وإرث في التسامح قبل المسامحة، وقوة عزم وحزم لا شك أنهما يلتزمان التوازي مع خط السلام متى جنح إليه الآخرون.