يعيش الأكراد من أهالي مناطق شمال شرق سوريا حالة من القلق المصيري، مع أن ثمة قناعة عامة بأن أكراد سوريا كانوا أكثر المستفيدين من الأزمة السورية.
إذ يعتقد أن هذه الأزمة أتاحت لهم بلورة كيان سياسي، و ربما جعلت منهم قوة سياسية وعسكرية وازنه في الساحة السورية، مكنتهم من طرح تطلعاتهم ومطالبهم القومية بقوة، إلا إن رغم كل ما سبق فإنهم يعيشون في قلق دائم إزاء المصير الذي ينتظرهم، فكل ما حققوه من انتصارات ميدانية ضد داعش على الأرض لم يجد إلى اليوم طريقه إلى طاولة المفاوضات، سواء في اجتماعات جنيف أو آستانه أو حتى اللجنة الدستورية، ولعل عدم نجاحهم في حجز مقعد لهم في قاعات التفاوض، يطرح سؤالا جوهريا، وهو هل المشكلة تكمن في الأكراد وخياراتهم السياسية أم في طبيعة السياسات الدولية التي تجعل منهم كبش فداء عند المصالح والتسويات؟ في الواقع، محاولة الإجابة عن السؤال أعلاها، تضعنا أمام دور المصالح في السياسة الدولية والإقليمية، إذ يبرز هذا العامل كفاعل أساسي في رسم الأقدار والمصائر في الشرق الأوسط، وهنا تتوجه الأنظار إلى السياسة الأمريكية التي تحالفت مع أكراد سوريا خلاال حربها ضد تتظيم داعش الإرهابي، وقد تم إلحاق هزيمة عسكرية بداعش كبرى بعد تضحيات كبيرة قدمتها قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ).
القلق الكردي من التحول في المواقف الدولية وتحديدا الأمريكية، بات واضحا مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والاستعدادات الجارية للانسحاب من العراق في إطار استراتيجية أمريكية يؤكد مراقبون ومحللون سياسيون أنها ستشمل سوريا في المرحلة المقبلة، وهو ما سيشكل ضربة كبيرة لأكراد سوريا، خاصة إذ ما علمنا ان واشنطن تكاد تكون الحليفة الوحيدة لهم وسط أعداء كثر، ولاسيما تركيا التي لا تتوقف عن التهديد بعمليات عسكرية جديدة ضد مناطق تواجد قوات كردية، وسط قصف متقطع لمقارهم وقياداتهم الميدانية، حيث تزداد خطورة اللاعب التركي الذي يحاول القيام بدور الشرطي الإقليمي في مناطق شمال سوريا وشرقها وسط أجندة واضحة تقوم على التتريك والاحتلال، من خلال إقامة بنية تحتية في هذه المناطق مرتبطة بالداخل التركي، ولعل ما يحصل على جبهة التنافس الأمريكي – الروسي على الساحة السورية، ليس سوى نسخة مصغرة للاتفاق الإقليمي التاريخي ( التركي – الإيراني – العراقي – السوري ) على محاربة التطلعات القومية الكردية في أماكن تواجدهم، لطالما إن هذه التطلعات تصبوا نحو إقامة دولة قومية كردية، ستكون هذه الدول المتضرر الأكبر منها، وهكذا تبدو الجغرافية كقدر يحكم مصير أكراد على مذبح المصالح الإقليمية والدولية.
هذه القاعدة من العلاقات الدولية في التعامل مع القضية أو القضايا الكردية، تطرح أسئلة كثيرة عن مسؤولية الحركة الكردية، وعن خياراتها السياسية، وعن الأساليب المنتهجة في نيل المطالب والتطلعات القومية، فمثلا كيف يمكن للأكراد طرح مطالبهم القومية دون الصدام مع أنظمة الدول التي تحكمهم؟ وكيف لهم التوفيق بين هذه المطالب وقضية السيادة الوطنية لهذه الدول ؟ والأهم، لماذا لا نجد مرجعية كردية واحدة في طرح هذه المطالب وانتهاج خطاب سياسي يعكس عدالة مطالبهم بعيدا عن اتهامات الإنفصال والتقسيم والتأمر مع الخارج ؟ من دون شك، الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تبدو ملحة بعد أن وصلت القضية الكردية إلى مرحلة حساسة، والتحدي هنا، يكمن في كيفية جعل الحراك الكردي الجاري جزءا من الحراك الهادف إلى تحقيق الحرية والديمقراطية والتنمية في المنطقة، لا التخندق في الأيديولوجية القومية الضيقة التي قد تفتح الباب أمام المزيد من الصدام والعداء القومي.
في الواقع من دون سياسة كردية واقعية تبصر حقيقة تعقيدات العلاقات الدولية والمصالح التي تتحكم بها، فإن دورة الأقدار ستبقى تتحكم بمصير الأكراد، وسيبقى مسار التعامل مع الأكراد وقضيتهم تأخذ مسارات أمنية من جهة، ومن جهة ثانية تخضع لحسابات المصالح الإقليمية والدولية التي كثيرا ما يكون الأكراد هم ضحيتها الأولى، ولعل ما يجري اليوم على جبهة العلاقات التركية – الأمريكية بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ومحاولة تركيا حجز موطئ قدم لها هناك في إطار دور وظيفي يخدم الاستراتيجية الأمريكية في مرحلة ما بعد الانسحاب من أفغانستان والمنطقة، يشكل مؤشرا قويا إلى استمرار إخضاع مصير الأكراد في عموم المنطقة للحسابات الإقليمية والدولية.