اخترنا لكم

الصين التي “أنجزت” بيتا لها في المنطقة


الصدارة الاقتصادية الصينية عالميا لم تعُد مجرد تكهنات.

فالحقيقة في ذلك تقترب من أن تكون منعطفا مهما سوف تتضح معالمه عند منتصف هذا القرن بشكل شبه مؤكد بالنسبة للصين.

فلا تزال الصين تتصدر دول العالم في استيراد الطاقة منذ أكثر من عقد من الزمان، فيما تستمر في بناء اقتصاد مرن قابل للتوسع بما يشبه التيارات البحرية التي تتمدد بانسيابية إلى أن تصل إلى مداها، ولكن لا بد هنا من الإشارة إلى أن طريق الصين في العالم شاقٌّ وصعب، خاصة إذا ما نظرنا إلى تلك الآثار التي تركتها جائحة كورونا، ليس في الصين وحدها وإنما في العالم كله.

الصين اليوم تمر في مسار اللحظة الحاسمة، فقد تحوّلت من سائح سياسي في بعض دول العالم إلى مستثمر يرغب في إنجاز مقر له في مناطق العالم المختلفة، ومنها بالتأكيد منطقة الشرق الأوسط، الأكثر حساسية على المستوى الدولي، وهنا نتذكر كيف بدأت الصين في بناء بيتها في المنطقة، عبر اتفاقات اقتصادية مع كل الأطراف.

فللصين علاقات قوية وراسخة مع دول الخليج العربي بلا استثناء، فهي تتبادل مع الدول الخليجية منافع اقتصادية أصبحت الأسس المتينة للبيت الصيني في المنطقة بأكملها.

وقد صارت أمريكا تنظر إلى الوجود الصيني في المنطقة بقلق، ومراهناتها على تحديد دول المنطقة الاختيار بين بكين وواشنطن لا تؤتي ثمارها، فالوقت بات متأخرا أمام هذا الخيار الاستراتيجي، لأن الصين صارت جزءا من تشكيلة العالم السياسية والاقتصادية بلا شك، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى تعقيد العلاقات الأمريكية-الصينية بشكل تدريجي، والأهم هنا يرتبط بالكيفية التي سوف ينعكس بها هذا التنافس على دول المنطقة، خاصة دول الخليج العربي وإيران.

التردد الأمريكي حول منطقة الشرق الأوسط والتمدد الصيني يدفعان بالأنشطة المرتبطة بفرض القوة إلى المقدمة، خاصة أن الانتشار الصيني عبر البحار والمحيطات يتطلب حماية فورية، وهذا المسار يُضيّق الحلول ويُنشئ توازناتٍ جديدة تُمهّد لنظام عالمي جديد، فعلى سبيل المثال لن تكون الصين هي الطرف الخامل في أزمة النووي الإيراني، ومهما حاولت أمريكا الدفع بالقضية تجاه أوروبا، فإن الحلول النهائية تشير إلى أنها لا بد أن تمر عبر بكين أيضا، وإن لم تكن الصين جزءا من تلك المناقشات في الواجهة السياسية.

المنطقة الخليجية بدورها صارت الأهم بالنسبة للصين وأمنها القومي، إذ تسعى الصين إلى ترسيخ مكانتها لدى الدول الخليجية، كنتيجة طبيعية لتوسعها الاقتصادي واستقرار هذه الدول، التي تمدها بالطاقة وتتبادل معها التجارة على نطاق واسع، وعلى الجانب الآخر، سيكون لزاما على أمريكا أن تفكر جديا في تقاسم بعض المهام مع الصين، من أجل تفكيك مناسب لتعقيدات السياسة والاقتصاد بين الدولتين.

الصين أصبحت تملك موقعاً راسخاً في منطقتنا وهذه الحقيقة سوف تستهلك الكثير من الجهد الدبلوماسي الأمريكي، وسوف تُجبر السياسة الأمريكية في النهاية على أن تعترف بأن الصين أصبحت جزءا من المنطقة الشرق أوسطية بكل ما تعنيه هذه الكلمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى