ماذا تريد أميركا في الأزمة الأوكرانية؟
منذ عدة اسابيع هناك بلد يتصدر الاعلام بالرغم من انه لا يملك في حد ذاته ثقلا سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا كبيرا على الساحة الدولية، لكنه ونظرا لما يشكله من اهمية استراتيجية لروسيا والغرب في صراعهما على مناطق النفوذ أصبح انتظار بدء الحرب فيه من عدم قيامها هو ما يخشاه العالم كله..
ويمكنني بداية ان اختصر وصف هذا البلد بأنه دولة ذات انقسام مجتمعي عميق بين المناطق الغربية التي تعتمد اللغة الأوكرانية وترى مستقبلها مع الاتحاد الأوروبي، والمناطق الشرقية ذات الأغلبية الناطقة بالروسية والتي تدين بالولاء لموسكو. ولهذا السبب تحديدا، وصف المفكر السياسي الأميركي صاموئيل هنتنغتون، في كتابه الشهير “صراع الحضارات”، أوكرانيا بأنها “بلد منقسم ذو ثقافتين مختلفين”.
الملاحظة الأولى في هذا الشأن والذي هو الموقف الأميركي من هذه الازمة هي أن الرئيس بايدن يتخذ أسلوباً متوازناً يتسم باستخدام الدبلوماسية النشطة والتهديد بفرض العقوبات وتقديم الدعم لأوكرانيا إذا قامت روسيا بغزوها، ولكن مجموعة في مجلس الأمن القومي الأميركي؛ يرون هذا الأسلوب ليناً، ويتهمون الرئيس بايدن بأنه يقوم بملاطفة بوتن. ويريدون أن تشارك الولايات المتحدة في النزاع مع روسيا بصورة أقوى، بما فيها استخدام القوة العسكرية، على أمل ردع الغزو الروسي.
أما موقف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فهو على الدوام يؤكد على أنّ ما تدلي به بلاده “ليس تهويلا، إنّها بكل بساطة حقائق”.
بالعودة الى الماضي القريب فإنه ومنذ الخريف، تحذّر واشنطن من تعزيزات عسكرية ضخمة لروسيا عند حدودها مع أوكرانيا، متهمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بالتخطيط لاجتياح أراضي جارته الغربية.
هنا في واشنطن ناقشت هذه الأزمة مطولا مع بعض الساسة الأميركيين الذين أجمعوا أن الضغوط التي تقودها الولايات المتحدة بمعية حلفائها الأوروبيين قد خففت من خيارات موسكو العسكرية من أجل تسوية الأزمة لصالح تحقيق أكبر قدر ممكن من مكاسب عبر القنوات الدبلوماسية.. لكن قبل ساعات بدى أن رحلة هذه الحرب المرتقبة دخلت إلى مستويات جديدة، بعدما أرسلت الولايات المتحدة وبعض من حلفائها تعزيزات عسكرية إلى شرق أوروبا، مع تعثر المسارات الدبلوماسية في الوصول إلى توافق حول التوترات المتزايدة بشأن الحشود العسكرية الروسية بالقرب من أوكرانيا.
من ناحية أخرى خرجت بخلاصة من تلك النقاشات أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تقوم بكل جهد ممكن لدعم استمرارية الدبلوماسية عبر تركيز جدول أعمال المفاوضات الدائرة حالياً على متابعة المعاهدة المهجورة المتعلقة بالأسلحة النووية المتوسطة المدى واستنهاض عناصر القوات التقليدية في معاهدة أوروبا.
ويجب أن تكون جميع الخيارات الدبلوماسية موجودة على طاولة المفاوضات لمنع قيام غزو روسي لأوكرانيا. وفي واقع الأمر فإن إصرار روسيا على أن حلف الناتو يجب أن يغلق بابه أمام أي توسع مستقبلي؛ أمر غير واقعي وكذلك فإن كثيرا من أعضاء مجلس النواب يقولون عن هذه الازمة إننا كأميركيين إذا ما سمحنا لحاكم متسلط ذي نزعة توسعية كالرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن يفرض إرادته بالقوة على دولة مثل أوكرانيا، فإن حرية وأمن معظم أجزاء أوروبا المتبقية ستكون معرضة في نهاية المطاف للخطر، ومن المحتمل أن ننجر مرة أخرى لحرب أكبر وأشد فتكا وأكثر كلفة. ولهذا، من الأهمية بمكان منع بوتن من ذلك الآن.
من ناحية مهمة ثانية فإن زعيمة التحالف الأطلسي، والتي هي الولايات المتحدة، تعتبر أن روسيا تهدد أوكرانيا وتصر، من حيث المبدأ هي الأخرى، على حق أي دولة “ديمقراطية” في أوروبا في الانضمام إلى الحلف الأطلسي وكذلك على حق هذا الحلف في أن ينشر جنوده في الدول الأعضاء فيه، بما في ذلك في شرق أوروبا.
مهما يكن من أمر فإن الولايات المتحدة، وكما تقول صحيفة واشنطن بوست تظل طرفا أساسيا وهي تؤكد التزامها بسياسة الناتو المتعلقة بالأبواب المفتوحة، التي تسمح للدول بالسعي إلى الالتحاق بالكتلة.. وهي في هذه الساعة تقدم مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا وصلت إلى أكثر من 2.7 مليار دولار منذ عام 2014. وزادت من شحنات الأسلحة والعتاد في الأسلحة الأخيرة. كما أرسلت إدارة بايدن آلاف القوات على شرق أوروبا، مع تأهب قوات إضافية أخرى.
ورغم اللجوء إلى المساعي الدبلوماسية لتهدئة المخاوف مع روسيا، إلا ان الولايات المتحدة لم تتوقف أبدا عن استخدام لغة التهديد الذي لا ترى فيه روسيا سوى محاولة أكبر لتقييد الدب الروسي لكن يبدو أن الآتي أعظم.