اخترنا لكم

أوكرانيا.. وثمن الخداع الأمريكي الأوروبي


بعد أيام من انطلاق العملية العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، والتي كانت سيناريوهاتها متوقعة ومكشوفة للقوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، بات التساؤل على الألسنة: “هل تم التضحية بأوكرانيا؟”.

وإذا كان ذلك كذلك، فما الهدف الرئيس الذي جعلت من أجله جماعة الناتو أوكرانيا طُعمًا لاصطياد “الحوت الأكبر”؟

علامة الاستفهام المتقدمة لا يمكن فهمها إلا في ضوء تجارب تاريخية سابقة، ظهر فيها جليا أن أمريكا وأوروبا قوى تمثل قممًا دائمة للخُذلان، لا سيما في أوقات المحن الكبرى.

قبل بدء العملية العسكرية بين البلدين ببضعة أيام، وخلال مشاركته في أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن، بدا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أقرب ما يكون لمن يتوسل إلى الناتو ليُلحق أوكرانيا به، وقد طرح تساؤلا عميقا: “ما الذي تنتظرونه حتى الساعة لضم أوكرانيا  إليكم؟”.

لاحقا، وبعد أن انطلقت ماكينة الحرب، وجَّه الرئيس الأوكراني اللوم للقوى الغربية، والتي طلب منها السلاح والعتاد والدعم اللوجستي، فأرسلوا له حفنة دولارات، وآلاف الخوذات، كما فعلت ألمانيا.

فهل دفعت الدوائر السياسية الأمريكية “زيلينسكي” للتصلُّب والتمترس وراء فكرة حتمية اللحاق بالناتو، ومشاغبة الدب الروسي، بل واستفزازه للوصول إلى هذه النقطة الساخنة جدا؟

غالب الظن هذا ما حدث، وربما فات الرئيس الأوكراني، القادم من خلفية بعيدة كل البعد عن أعمال السياسة ودهاليز الأمن الدولي والاستخبارات العالمية، أن القوى الغربية التقليدية لا تقدم أبدا شيئا مجانيا، بل إن أوكرانيا عينها كانت ضحية من قبل للغرب نفسه.. كيف ذلك؟

في منتصف تسعينيات القرن المنصرم، وبعد التفكيك الذي جرى للاتحاد السوفييتي، أقنعت الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة الأوكرانية، بأنه لا حاجة لها الآن إلى رؤوس نووية -كانت أوكرانيا تملك نحو ستة آلاف منها- وأن التنمية هي الحل، وإعادة بناء الاقتصاد هو السبيل الوحيد لاستنهاض أوكرانيا من جديد.

فكّكت أوكرانيا ترسانتها النووية مقابل قرض أمريكي زهيد، لم يتجاز الأربعمائة مليون دولار، وفي المقابل تلاعبت واشنطن بكييف، وجعلت منها خلفية جيواستراتيجية لمُنازلة روسيا، إلى أن وصلت إلى ساحة نزاع بالوكالة.

يعنُّ للمتابع للمشهد الروسي-الأوكراني، وردّات الفعل من واشنطن إلى بروكسيل، أن يتساءل: “لماذا لم يتم تجهيز أوكرانيا عسكريا بما يسمح لها بمواجهة الروس؟”.

الثابت أن الحديث عن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا بعد العملية العسكرية الروسية يكاد يضحي وهما، لا سيما وأن المطارات الأوكرانية كافة قد جرى تعطيلها، فيما المواني محاصَرة، ولهذا كان “زيلينسكي المخدوع” مُحقًا في ردات فعله الغاضبة تجاه اكتفاء الخادعين بفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، وتساءل قائلا: “مَن مستعد للقتال معنا؟ لا أرى أحدا، مَن مستعد لأن يعطي أوكرانيا  ضمانة بالانضمام إلى الناتو؟.. الجميع خائفون”.

وضع “زيلينسكي” وجه الغرب التقليدي أمام الحائط، حين أشار إلى حالة الخوف التي عمَّت 27 زعيما أوروبيا، لا أحد منهم قادر على تقديم دعم حقيقي أو ضمانات موثوقة لبلاده للقبول بفكرة الوضع الحيادي مع روسيا.

على الجانب الآخر من الأطلسي، هناك حيث دارت ماكينة الإعلام الأمريكية، لتهيئ الجماهير لما تسميه “الغزو الروسي”، اكتفى الرئيس “بايدن” بكلمة أقرب إلى الابتهال والدعاء من غير قدرة حقيقية على تغيير الموقف على الأرض.

علِم “زيلينسكي” من تجارب سابقة، لا سيما بعد ضم الروس شبه جزيرة القرم، أن العقوبات الاقتصادية ليست الحل، وأن هناك قوى أخرى غير الولايات المتحدة الأمريكية يمكن التعاطي معها، ويضحي من نقص الخبرة السياسية أن يفكر المرء بأن “بوتين” لم يضع كل احتمالات تعرّض دولته العظمى لحصار اقتصادي في حسبانه.

بعد يومين من بدء النزاع بين البلدين، غرّد الرئيس الأوكراني معبّرا عن حاجة بلاده إلى “مساعدات دولية فعالة”، وأشار إلى أنه بحث الأمر مع نظيره البولندي قائلا: “نحن بحاجة إلى مساعدات دفاعية.. لقد تقدمنا بطلب انضمام إلى منظمة بوخارست تسعة.. نحن بحاجة إلى تشكيل تحالف”.

هل كان على “زيلينسكي” أن يدرك مسبقا حدود العجز الأمريكي بنوع خاص عن تقديم عسكري حقيقي يكفي لصد ورد القيصر بوتين؟

قبل نحو شهر، وحين قررت إدارة بايدن إرسال نحو 3000 جندي أمريكي إلى جوار أوكرانيا، وبخاصة إلى بولندا ورومانيا، كان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، يؤكد أن جنود أمريكا لن يدخلوا في مواجهة عسكرية مع الجنود الروس على الأراضي الأوكرانية، وهو الأمر عينه الذي كرره الرئيس “بايدن” في كلماته وتصريحاته التالية كافة.

فات “زيلينسكي” أن هناك حسابات سياسية وعسكرية استراتيجية لا يمكن القفز من فوقها، وفي مقدمها قضية ميزان الانتباه العسكري، والتي تعني ببساطة أنه حال إدراك الروس وجود قوات أمريكية أو أوروبية على أرض المعركة، فإن المشهد سوف يضحي مواجهة عالمية تتجاوز “خديعة أوكرانيا والأوكرانيين”، وهو أمر تتجنبه روسيا وأمريكا وأوروبا دفعة واحدة.

هل كانت “خديعة أوكرانيا” فخًّا لـ”روسيا-بوتين” على حساب أمن وأمان الشعب الأوكراني الضحية في كل الأحوال؟

إلى قراءة قادمة بإذن الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى