اخترنا لكم

الشرق الأوسط والرؤساء الأمريكيون


قبل بضعة أيام من سفره للشرق الأوسط، كتب الرئيس الأمريكي بايدن، عبر صحيفة “الواشنطن بوست” مقالا أشار فيه إلى أنه: “يسعى في طريق شرق أوسط أكثر أمنا وتكاملا”، ما يأتي بفوائد للأمريكيين.

وبعيدًا عن التفتيش في نيّات الرئيس “بايدن”، وما إذا كانت كلماته في المقال المثير للجدل صادقة نابعة من إرادة أمريكية حقيقية تسعى لتحسين حياة البلاد والعباد في الشرق الأوسط، أم من منطلق براجماتي ذرائعي نفعي، كدَيْدَن السياسات الأمريكية، فإن منطقة الشرق الأوسط لها علاقات قديمة مع رؤساء أمريكا، سلمًا وحربًا، إيجابا وسلبا، وطوال أكثر من مائة عام خلت، وحتى رحلة “بايدن”.

في مؤلفه العُمدة المعنون بـ”القوة والإيمان والخيال.. أمريكا في الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم”، يوضح لنا الكاتب والدبلوماسي الأمريكي الشهير مايكل أورين، أن هناك علاقة وثيقة بين رؤساء أمريكا وعالمنا العربي، وأنها سابقة على مجيء الرئيس روزفلت إلى المنطقة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

على أن التعاطي بالقوة الخشنة كان دائما عهد السياسات الأمريكية مع المنطقة، وفي مرات قليلة نجحت القوة الناعمة الأمريكية في خلق واقع شرق أوسطي جديد.

خذ إليك على سبيل المثال لا الحصر، القوة التي ظهرت في قرار الرئيس ماديسون بإرسال بوارج حربية إلى الجزائر عام 1815، وفي جهود إبراهام لنكولن، الرئيس الأسطوري عام 1836 لإثناء مصر عن التدخل في المكسيك.

كان أول رئيس أمريكي يزور الشرق الأوسط، الرئيس الثامن عشر، يوليسيس جرانت “1869-1877″، وقد جاء إلى مصر بعد نهاية رئاسته واجتمع بالخديو إسماعيل -باني نهضة مصر الحديثة- كما قام بجولة في وادي الملوك بمدينة الأقصر في صعيد مصر، وسافر بالقطار على طول قناة السويس، وقد عمل كقائد عام للقوات المسلحة الأمريكية في عهد لنكولن، وأسهم في الانتصار على الكونفيدرالية خلال الحرب الأهلية.

على أنه ومنذ منتصف أربعينيات القرن الماضي، ومع زيارة الرئيس فرانكلين روزفلت، استهلت واشنطن علاقة متميزة مع الشرق الأوسط، فقد جاء لقاء الرجل -روزفلت- مع الملك عبد العزيز آل سعود على ظهر الطراد “يو إس إس كوينسي” عام 1945.

وقد اعترف هاري ترومان، الرئيس الأمريكي الثالث والثلاثين “1945-1953” بقيام الدولة العبرية بعد ساعة واحدة من إعلانها، داعيًا الأوروبيين لأن يسمحوا بهجرة نحو مائة ألف يهودي إلى فلسطين، وعُرف بصداقته الحميمة لحكام إسرائيل في أوائل عهدهم.

وحين حلّ دوايت آيزنهاور، أو الجنرال آيك، قائد قوات الحلفاء في أوروبا، والرجل الذي أنزل الهزيمة بدول المحور، كرئيس لأمريكا حاملا الرقم أربعة وثلاثين “1953-1961″، ارتبط اسمه بما عرف بمبدأ آيزنهاور، وهو إعلان الكونجرس الأمريكي عام 1956، والذي يتضمن حماية الاستقلال السياسي لأي دولة في الشرق الأوسط، للحيلولة دون سيطرة الشيوعية.

ولعل آيزنهاور مثال للثنائية الأمريكية في التعاطي مع الشرق الأوسط، ففي حين تذكره دفاتر التاريخ ذكرًا حسنًا من جراء إنذاره الشهير عام 1956، والذي أدى لانسحاب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، من منطقة قناة السويس، بعد ما سُمي “العدوان الثلاثي” على مصر، فإنه وفي الوقت عينه يؤخذ عليه أنه الرئيس الأمريكي، الذي فتح أبواب “البيت الأبيض” واسعة لاستقبال الجيل المؤسس لتيار الإسلام السياسي عام 1953، والعهدة على الراوي الكاتب والمؤلف الأمريكي روبرت دريفوس، في مؤلفه الشهير “لعبة الشيطان”، وذلك بعد أن ملأ الأخَوَان دالاس -جون فوستر وزير الخارجية وآلان فوستر مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية- عقل الرئيس بفكرة ومضمون “لاهوت الاحتواء”، أي تسخير منطلقات العقيدة الإسلامية كمنصة لمواجهة محاولات الزحف الشيوعي إلى الشرق الأوسط، ومن يومها حتى الساعة لا تزال واشنطن على علاقة قوية بهذا التيار، وغير قادرة على الفكاك من ارتباطاتها الظاهرة والخفية معه، بدليل عدم إدارج واشنطن إلى الآن جماعة الإخوان في قوائم الإرهاب، رغم الدم الذي لوّث أيادي أتباعها والقصة تطول.

في دائرة علاقات رؤساء أمريكا أسماء مثّلت كوارث للشرق الأوسط، كما الحال مع الرئيس غير المنتخب “ليندون بنز جونسون”، الرئيس السادس والثلاثين، والمتهم في ضمير الأمريكيين بـ”اغتيال جون كينيدي”، فقد كان وراء حرب الستة أيام عام 1967، ويحتاج إلى قراءة خاصة ذات مرة.

أحد الرؤساء الأمريكيين القلائل، والذي فتح باب الشرق الأوسط على طريق مغاير، الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، التاسع والثلاثين، في مسيرة رؤساء أمريكا “1977- 1981″، وإليه تُعزى نجاحات عملية السلام بين مصر وإسرائيل في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، والتوصل من ثم إلى اتفاقية “كامب ديفيد”، تلك التي غيّرت الأوضاع وبدّلت الطباع في هذا الإقليم.

والمؤكد أننا لسنا في سياق مقاربة تاريخية لرؤساء أمريكا وعلاقتهم بالشرق الأوسط، وإنما جُلّ المراد الإشارة إلى الرابط الوثيق بين ساكن “البيت الأبيض” وشعوب المنطقة.

نرحب بالرئيس “بايدن”، ونتمنى له التوفيق في مهمته، وأن تكون زيارته مفتتحًا لحقبة جديدة من التعاون القائم على التعاون الثنائي الخلاق، وعلى قاعدة التعامل بندّية وموثوقية مع الحلفاء العرب، الذين أثبتت التجربة الحياتية أهمية شراكتهم، وهي أهمية تزداد في حاضرات أيامنا، تلك التي لم يعد فيها العالم أمريكيا بالمطلق، وبات زمن الأقطاب المتعددة يطل برأسه على عالم مغاير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى