الزلزال في تركيا يشعل السجال بين الحكومة والمعارضة.. التفاصيل
في خضم أسوأ أزمة تواجهها تركيا بعد الزلزال المدمر، بدأت الحكومة تبحث عن تبريرات وراء القدر، للتنصل من أسباب الكارثة التي فاقت خسائرها التقديرات، والتي بدت واضحة من أثار الدمار وحصيلته البشرية الثقيلة، أنها كانت نتاج الاستجابة الضعيفة والمتأخرة مع متطلبات الكارثة.
وقد جاء الزلزال ليفضح سنوات من الفساد في القطاع العقاري والمقاولات، حيث كانت الحكومة قبل هذا، تتساهل مع الجهات الرسمية في منح رخص الإنشاءات وإصدار قانون أعفى قبل سنوات عشرات آلاف من مالكي العقارات من قيود ومعايير صارمة في البناء.
ومن خلال أكثر من تصريح رسمي أو من هيئات حكومية مثل الهلال الأحمر التركي، بدا واضحا من أن حكومة حزب العدالة والتنمية تحاول التملص من مسؤوليتها عن مقتل الآلاف تحت أنقاض الزلزال.
ومن جهتها رفضت المعارضة، تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء مخاطبته المنكوبين في إحدى المدن المتضررة بالقول مع “القدر هناك أشياء كثيرة تحدث”، ورأت فيه نوعا من التخفي وراء القدر.
وقد ذكّرت المعارضة بأوجه القصور في التدخل الحكومي ومسؤوليتها عن آلاف البنايات المطابقة للمواصفات والمعايير المفترضة في البناء في منطقة صدع زلزالي.
الحكومة تحمل المسؤولية لمنظمة غولن
ومن جانبه، ذهب رئيس الهلال الأحمر التركي (كيزيلاى) كرم كينيك إلى أبعد من ستار القدر لتبرير الإخفاق الحكومي، ليلقي اللوم والمسؤولية على على منظمة فتح الله غولن التي تتهمها أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشل في صيف العام 2016.
وقد اعتمدت الحكومة إدارة الكوارث والطوارئ التركية التي تأسست في 2009 بدل أن منظمة الهلال الأحمر العريقة تأسست قبلها ب 155 عاما، كونها تعتبر منظمة فتح الله غولن إرهابية.
وقال كينيك إن “آلية الحماية المدنية التركية القائمة على التعاون بين المدنيين والعسكريين أسقطتها منظمة غولن الإرهابية”، ردا على سؤال أحد الصحافيين عن سبب ضعف الاستجابة الحكومية ولماذا جرى التخطيط وتنظيم المسائل المتعلقة بعمليات الإنقاذ والتدخل والإغاثة من خلال رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية ولم يتم ذلك عبر منظمة الهلال الأحمر العريقة.
وتابع كينيك، ردا على سؤال الصحفي فاتح بورتاكال رئيس الهلال الأحمر التركي “هل أسقطت منظمة غولن الإرهابية كيزيلاى أيضا؟”، وقال بأن ذلك لم يحدث منذ أن تم “إخراجهم” جميعا من المنظمة الإنسانية.
وتستمر السلطات التركية التملص باستمرار من المسؤولية، واتخاذ من حركة غولن كبش فداء في كثير من الأزمات، على الرغم من أن العديد من أتباعها يقبعون وراء القضبان بتهم إرهاب تعتبرها منظمات حقوقية كيدية، بينما فرّ كثير منهم إلى الخارج لتجنب اضطهاد الحكومة.
وحركة غولن هي جماعة دينية يقودها الإسلامي التركي فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة منذ 1999، وقد كان الرئيس التركي يستهدف أتباعه حتى قبل الكارثة.
وفي ديسمبر 2013 أثيرت حول رئيس الوزراء التركي وقتها والرئيس لحالي لتركيا رجب طيب أردوغان وأفراد عائلته والدائرة المقربة منه، تحقيقات الفساد ما أدى إلى تدهور العلاقات بينه وبين غولن، ليصبح الرجلان ندين بعد أن كانا حليفين.
الزلزال في تركيا يشعل السجالات بين الحكومة والمعارضة.
وبينما كان الناس نيام فجر يوم 6 فبراير، ضرب زلزال قوته 7.8 درجة بالقرب من مدينة غازي عنتاب، ما أسفر عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص وإصابة أكثر من 80 ألفا في أكثر من 10 مدن في الجنوب الشرقي الأكثر تضررا.
وأعقب ذلك زلزال آخر بقوة 7.5 درجة ضرب المنطقة في وقت لاحق من نفس اليوم بعدما توالت عشرات الهزات الارتدادية.
وقد عرى زلزال 6 فبراير الفساد المرتبط بقطاعي العقارات والمقاولات وصلة مفترضة بمسؤولين من حزب العدالة والتنمية بملفات الفساد التي ستكون مادة سياسية ساخنة في السجالات بين الحكومة والمعارضة.
‘ذي ايكونوميست’ : الزلزال في تركيا عكس الأبعاد المميتة للفساد
وقد أشارت مجلة ‘ذي ايكونوميست’ البريطانية، في تقرير نشرته إلى أن الأمر يعكس في جزء كبير منه الأبعاد المميتة لفساد المقاولات، خاصة بعد أن بلغت حصيلة ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا فجر السادس من فبراير عشرات آلاف الضحايا.
وقبل ذلك سبق أن فتحت المعارضة التركية هذا الملف، وتحدثت في ذلك، محملة حكومة حزب العدالة والتنمية المسؤولية بسبب إجراءات ومخالفات قانونية في قطاع العقارات والمقاولات.
لكن ‘ذي ايكونوميست’ أشارت كذلك إلى أن الجميع مذنب سواء الحكومة أو المعارضة، فثمة مناطق يدير بلدياتها مسؤولون من أحزاب المعارضة.
ونشرت مقالا تحت عنوان “الزلازل في تركيا تعكس الأبعاد المميتة لفساد الإنشاءات”، معتبرة أن من أكبر أسباب حصيلة القتلى الثقيلة خلال زلزال 6 فبراير، معايير البناء التي تفتقر للجودة وكذلك استشراء الفساد إلى جانب السياسات السيئة.
وأوضحت الصحيفة أيضا أن مآلات الوضع الراهن بعد الزلزال المدمر هو في الحقيقة جزء من اقتصاد تركيا الذي يعتمد على التطوير العقاري الريعي بما في ذلك المقاولات.
وقد اعتبرت الصحيفة أيضا أن كل التحليلات تجمع تقريبا على أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تتحمل معظم المسؤولية عن الكارثة الأخيرة، لكن التحليلات ذاته تشير إلى أن الإدارات السابقة والبلديات التي تديرها المعارضة بعد فوزها في الانتخابات الأخيرة إضافة إلى المقاولين ومسؤولي التخطيط أيضا “مذنبون أيضا”.