الشرق الأوسط

 سوريا.. بين هول الحرب وكارثة الزلزال


ضحايا الزلزال في سوريا يعانون الأمرين في العديد من المدن بسبب الخلافات السياسية التي فاقمت تدهور الأوضاع.

بين هول الحرب وكارثة الزلزال تضاعفت معاناة السوريين خاصة في المدن التي شهدت ضربة الزلزال المدمر قبل شهر، وزادت مآسيهم تدهور الأوضاع إلى الاسوء بسبب الخلل السياسي الذي فاقم الأزمة الاقتصادية. 

سلطت صحيفة “كونفرزيشن” الضوء على هذه الأوضاع في سوريا، وقالت: أن الأمم المتحدة تقدر أن ملايين الأشخاص على جانبي الحدود قد تضرروا بسبب الزلزال، بما في ذلك 9 ملايين في سوريا وحدها، ويعاني الكثيرون في شمال غربي سوريا من ظروف الشتاء دون مأوى مناسب أو الحصول على الغذاء أو مياه الشرب أو الكهرباء أو وقود التدفئة.

وقد صرح الاقتصادي الهندي أمارتيا سين للصحيفة: إن المجاعات يجب أن تفهم على أنها مشاكل ذات أصول بشرية وليس مجرد كوارث طبيعية، كما يجب فهم عواقب هذه الكارثة في السياق الأوسع لسياسة المنطقة.

تابع الاقتصاد الهندي موضحا: أنه مثلما يمكن إلقاء اللوم جزئياً على نطاق الدمار في تركيا على البناء الرديء والجهاز السياسي الذي مكنها، يمكن تفسير عواقب الزلزال في سوريا جزئيا بالحرب الأهلية المدمرة في البلاد.

النازحون السوريون بعد الزلزال

بدأت الثورة في سوريا في عام 2011، فتحولت إلى حرب سأهلية حُصدت حياة أكثر من 600,000 شخص وشرد أكثر من نصف سكان سوريا، ويشمل ذلك أكثر من 6 ملايين سوري فروا إلى الخارج كلاجئين و7 ملايين آخرين نزحوا داخل سوريا.

 يعيش الآن 3 ملايين من بين هؤلاء السوريين النازحين داخلياً، في آخر جزء من سوريا لا يزال تسيطر عليه قوات المعارضة، وهي المنطقة المحيطة بمدينة إدلب في شمال غربي سوريا على الحدود التركية.

 وقد تأثرت هذه المنطقة بشدة بالزلزال ويمكن القول إنها المنطقة السورية الأقل استعدادا لتحمله، كونها غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، فإدلب، على سبيل المثال، التي تضررت بشدة بالفعل بسبب سنوات من القصف من قِبل النظام والقوات الروسية المتحالفة معها، ليس أمامها سوى فرصة ضئيلة لتحمل الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة، وفقا للصحيفة.

 عبر العديد من السوريين الذين تمت مقابلتهم في وسائل الإعلام عن أسفهم لأن بعض الذين ماتوا كان من الممكن إنقاذهم بمعدات أفضل واستجابة دولية أسرع، لولا عدم الوصول إلى معدات البحث والإنقاذ، أعاقت عمليات الإنقاذ ومنعت أعضاء منظمة الدفاع المدني السورية المعروفة باسم الخوذ البيضاء من إنقاذ البعض من تحت الأنقاض.

 المشاحنات السياسية

والاسوأ من ذلك، أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، قصفت القوات الحكومية الروسية والسورية مرارا المنشآت الطبية في المنطقة؛ ما جعلها ممتدة إلى ما هو أبعد من طاقتها حتى قبل الزلزال، وقد طغت على هذه المرافق الآن الأعداد الهائلة من المصابين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية، وفقا للصحيفة.

اشارت الصحيفة إلى أنه ما زاد من تفاقم الحالة هو استمرار الأعمال العدائية والمشاحنات السياسية التي أعاقت توزيع المساعدات على الناجين، حيث تنقسم سوريا اليوم بين عدة أطراف متحاربة، بما في ذلك نظام الرئيس بشار الأسد، وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، ومجموعة الجماعات المسلحة التي تشكل معارضة نظام الأسد.

وبعد كارثة الزلزال أصرت الحكومة السورية، التي لديها تاريخ في سرقة المساعدات الدولية واستخدام المجاعة كسلاح حرب، على أن جميع المساعدات الدولية للزلازل يجب أن تأتي عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، وهو الموقف الذي رفضته هيئة تحرير الشام، فصيل المعارضة المسلح الذي يسيطر على معظم محافظة إدلب، والذي رفض السماح بدخول المساعدات التي يتم إرسالها من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة إلى المنطقة المنكوبة.

الضغط الدولي

ولم تسمح الحكومة السورية بفتح معبرين حدوديين إضافيين من تركيا إلى المناطق المتضررة لتوزيع المساعدات من قِبل الأمم المتحدة، إلا بعد أسبوع من الضغط الدولي، وبحسب ما ورد أصرت قوات النظام السوري على أن المساعدات لا يمكن أن تمر إلا إذا تم تسليم نصفها إليها.
وفي الوقت نفسه، ذكرت هيومن رايتس ووتش أن المساعدات التي يتم إرسالها إلى الأراضي المنكوبة بالزلزال التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية قد تم حظرها من قِبل كل من قوات النظام والجماعة المسلحة المدعومة من تركيا والمعروفة باسم الجيش الوطني السوري.

ولا توجد مثل هذه العقبات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، حيث تمكنت المساعدات الدولية من الوصول مباشرة، كما عدلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوباتهما ضد الحكومة السورية للأشهر الستة المقبلة لضمان سرعة إيصال المساعدات الإنسانية.

خلفت الحرب في سوريا العديد من العواقب الاقتصادية الطويلة الأمد للحرب، بما في ذلك انهيار العملة السورية، تعني أن جميع مناطق سوريا تواجه انتعاشًا صعبًا، كما تأثر السوريون الذين فروا من البلاد، حيث تستضيف تركيا أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، استقر الكثير منهم في المنطقة التي ضربها الزلزال.

مثل السكان الأتراك في المنطقة، فقدوا أيضا عائلاتهم وأصدقاءهم ومنازلهم وسبل عيشهم. الآن، يواجه البعض أيضا العداء من أولئك الذين يعارضون تقديم المساعدات الحكومية للاجئين.

مهمة إعادة بناء سوريا

واستطردت الصحيفة أنه في أعقاب المأساة مباشرة، من المفهوم أن الدافع الأول للمجتمع الدولي كان إرسال فرق البحث والإنقاذ، والأغذية والأدوية وأنواع أخرى من المعونة.

 لكن على المدى الطويل، فإن العوامل التي جعلت هذا الزلزال مدمرا للغاية لا تزال دون حل وتعقد أي استجابة إنسانية، ويجب أن تأخذ الاستجابة الفعالة في الاعتبار الأصول البشرية للظروف السياسية والاقتصادية والإنسانية التي أدت إلى حرب أهلية، وليس فقط تأثير كارثة طبيعية.

على الرغم من أن النظام سيحجم عن القيام بذلك، إلا أنه وحسب الصحيفة، تتمثل إحدى الخطوات الأولى الجيدة، في جعل المعبرين الحدوديين الإضافيين إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة دائمين، والتي لم تسمح بها الحكومة السورية في الوقت الحالي إلا مؤقتًا. 

سيكون من المهم بشكل خاص إعادة بناء المرافق الطبية في إدلب، حيث يقدم السوريون الإمدادات بأفضل ما في وسعهم

واختتمت الصحيفة تقريرها: “تواجه كل من سوريا وتركيا عملية إعادة إعمار مؤلمة، لكن بالنسبة لسوريا، ستزداد العملية تعقيدا بسبب حرب لم تنتهِ بعد وستكون عواقبها مع سوريا لسنوات قادمة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى