لتطبيع العلاقات.. موسكو تستضيف أول اجتماع لوزيري خارجية تركيا وسوريا
أعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو أن الاجتماع الوزاري الرباعي لكل من روسيا وتركيا وإيران وسوريا، سيُعقد في العاصمة الروسية موسكو في 10 مايو الحالي، لبحث الملف السوري، وذلك ضمن استكمال مسار المباحثات السياسية التي تمهد الطريق للقاء قمة بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد، قبل الانتخابات التركية المقررة في الرابع عشر من الشهر الحالي.
وقال تشاووش أوغلو في تصريح لقناة تلفزيونية تركية، الجمعة، إن الحكومة الروسية أكدت موعد الاجتماع الأول من نوعه على مستوى وزراء الخارجية في 10 مايو الجاري.
وأضاف أنه ليس من الواضح بعد من سيُمثل طهران في الاجتماع، “وقد يشارك مسؤول إيراني آخر، حال مرافقة وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان للرئيس إبراهيم رئيسي في جولته الأفريقية”.
وتريد تركيا التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع سوريا خلال المحادثات السياسية قبل الانتخابات، لكن كل التوقعات تشير إلى تعقيدات كبيرة في الملف السوري تجعل من مسار استئناف العلاقات والمصالحة بين دمشق وأنقرة، مسارا طويلا.
وتعذّر في وقت سابق عقد اجتماع على مستوى وزيري خارجية سوريا وتركيا، فحصل لقاء على مستوى نواب الوزراء في الثالث من أبريل الماضي. وانضمت طهران إلى هذه الآلية بعدما كانت الاجتماعات تقتصر على روسيا وتركيا وسوريا، وقد تباينت في هذه الجولة الآراء حول النتائج، بصورة واضحة.
فبينما تحدثت تركيا عن اجتماعات بنّاءة، قال معاون وزير خارجية النظام، أيمن سوسان، إن إعلان تركيا انسحاب قواتها من الأراضي السورية سيكون شرطا لبدء التقارب، وإعادة التواصل بين الجانبين. وأضاف أنه لا توجد حتى الآن مؤشرات “إيجابية” من الجانب التركي لتنفيذ “الضمانات” التي طرحها الجانب السوري سابقاً.
وسبق أن كشفت الحكومة السورية عبر وسائل إعلامها الرسمية مسألة “الضمانات” التي يجب أن تتعهد بها تركيا، كشرط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. كما قالت إنها تخص انسحاب القوات التركية من سوريا، ومحاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سوريا، وبالأخص في منطقة إدلب.
ولا تقف شروط سوريا عند انسحاب تركيا من المناطق التي دخلتها الجيوش التركية في قواطع عملياتها الأربع، بل تتضمن أيضا مطالب أساسية لتطبيع العلاقات مع تركيا أهمها الشق الأمني.
وتريد دمشق تعريفا مشتركا للإرهاب يتخطى الحركات الكردية إلى أكبر عدد ممكن من فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، وكان لها ما أرادت في المداولات داخل الاجتماع الثلاثي الأخير في موسكو، لكن الصيغة التي أقرت، جاءت عمومية، لم تحدد أسماء الفصائل وهوياتها.
كما تريد دمشق أن توقف تركيا كافة أشكال الدعم والتسهيلات التي تمنحها لفصائل معارضة محسوبة عليها، وأخرى جهادية في إدلب، وسط قناعة سورية راسخة بأن وقف الدعم والتسهيلات التركية لهذه الفصائل سيفضي إلى القضاء عليها.
وعطل إصرار الحكومة السورية على الحصول على مسألة “الضمانات” الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية، ما استدعى عقد جولة جديدة على مستوى وزراء الدفاع ومسؤولي أجهزة المخابرات لمناقشة “الضمانات” والقضايا الميدانية، وتأجيل اجتماع وزراء الخارجية مرة أخرى.
ومنذ العام 2016، إثر ثلاث عمليات عسكرية ضد المقاتلين الأكراد، باتت القوات التركية وفصائل سورية موالية لها تسيطر على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا. وقدمت تركيا على مر السنوات الماضية دعما للمعارضة السياسية والفصائل المقاتلة في سوريا.
ويقول مراقبون إن ما يهم أردوغان هو التوصل إلى اتفاق مع الأسد حول تأمين حدود تركيا، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، وإنه إذا حصل على الضمانات التي يبحث عنها فسيصبح من السهل عليه تسليم مناطق سيطرة المعارضة الحالية إلى دمشق دون البحث عن مخرج يضمن سلامة المجموعات التي تحالفت معه لسنوات.
وكان اجتماع وزراء الخارجية قد تأجل في فبراير الماضي بحجة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 من الشهر ذاته، ولكن وسائل إعلام محلية أفادت نقلا عن مصادر مطلعة بأن سبب التأجيل هو الضغط من طرف إيران التي فرضت نفسها شريكا في اللقاءات، التي اقتصرت في البداية على روسيا وتركيا وسوريا.
وقالت المصادر إن الرئيس السوري يستمع إلى الإيرانيين أكثر من الروس، ولا يتخذ قرارا من دون موافقة إيرانية مسبقة، ولذلك فإن طهران تعمل على تنظيم لقاء الأسد وأردوغان في دمشق وليس في موسكو، ليبدو الرئيس التركي من جاء لمصالحة الأسد، ولهذا معنى رمزي كبير بالنسبة للرئيس السوري.
وكانت ورقة اجتماع أردوغان بالأسد ذات قيمة عالية قبل موعد الانتخابات التركية، لجهة حصول اتفاق أولي من حول عودة اللاجئين، إلا أن الرئيس السوري لم يكن في وارد تقديمها لنظيره التركي بلا مقابل، وكما ظهر من التكتيك الإيراني، فإن إدارة هذا الملف لم تكن سهلة، بسبب تعقيداته الكثيرة.
ويأتي هذا الاجتماع الأول من نوعه على مستوى وزراء خارجية تركيا وسوريا، في وقت تشهد فيه سوريا انفتاحا غير مسبوق تجاهها من دول عربية عدة خصوصاً بعد الزلزال المدمر التي ضربها وتركيا المجاورة في فبراير وسط توقعات بعودة قريبة لسوريا إلى الحاضنة العربية.
وعن تواصل العالم العربي مؤخرا مع النظام السوري، أكد تشاووش أوغلو أن ذلك مهم من ناحية إتاحة إمكانية عودة السوريين إلى بلادهم.
وأضاف أن “معظم الدول لا تريد تقديم شيك على بياض لعودة نظام (بشار) الأسد إلى جامعة الدول العربية وكأن شيئا لم يحدث”.
وتابع “تريد الدول من النظام أن يتخذ خطوة فيما يتعلق بالعملية السياسية، هذا هو السبيل لتوحيد سوريا، وإلا فإن وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني (الذين تصنفهما أنقرة تنظيمين إرهابيين) سيصبحان أقوى”.
وتوقع الوزير التركي أن “يصبح المشهد في سوريا معقدا وصعبا للغاية في المستقبل”، مضيفا انخرطنا في التعامل مع حكومة النظام لنرى، ربما نعقد مؤتمرا صحفيا مشتركا في ختام اجتماع وزراء الخارجية في العاشر من الشهر الجاري”.
واستطرد تشاووش أوغلو “لا يمكننا استباق الأمور بشأن ما سنتفق عليه في اجتماعنا (المرتقب) ذلك اليوم”.
وتابع “على الإدارة السورية الإجابة عن هذا السؤال بوضوح، هل ما زالت تؤمن بالحل العسكري أم بإمكانية الحل السياسي؟ لا يوجد حل وسط بينهما”.
وفي هذا الصدد، أكد استحالة الحل العسكري، مضيفا “إذا اتخذت الإدارة موقفا مؤيدا للحل السياسي فستزداد احتمالية إيجاد حل، أما إذا رفضت وقررت الاستمرار في محاربة الجميع مهما كلفها الأمر فإن الحل سيستغرق عقودا”.
وحذر وزير الخارجية التركي من “خطر تقسيم سوريا، وحدوث موجة هجرة بسبب الوضع الاقتصادي السيئ في الداخل”.
يأتي اللقاء في موسكو، بعدما عقد مسؤولون سوريون وأتراك اجتماعات عدة، وكانت المرحلة الأولى من الحوار بين أنقرة ودمشق قد تمثلت بأول لقاء ثنائي رفيع المستوى بين أنقرة ودمشق منذ بداية الحرب في سوريا 2011.
وكان اللقاء بين وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات، حقان فيدان، من جهة، ووزير الدفاع السوري، علي محمود عباس، ورئيس الاستخبارات، حسام لوقا، من جهة أخرى، وجرى اللقاء حينها في موسكو، في 28 ديسمبر 2022.
كذلك عُقد لقاء آخر ضمّ وزراء دفاع ورؤساء استخبارات روسيا وتركيا وإيران وسوريا، في 25 أبريل الماضي، ونفى مسؤول تركي بارز أن تكون بلاده قد ناقشت مع سوريا فكرة سحب قواتها من سوريا.
جاء هذا النفي بعدما قال وزير الدفاع السوري، علي محمود عباس، إن المحادثات ناقشت انسحاب القوات التركية من سوريا، وفتح الطريق السريع الاستراتيجي المعروف بـ”إم4″، ما سيُمهد الطريق أمام إنعاش التجارة السورية مع الدول المجاورة.
يأتي هذا فيما دخل الصراع في سوريا عقده الثاني، بعد أن أودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، وشرّد الملايين، وتورّطت فيه قوى إقليمية وعالمية، لكن حدة القتال بدأت في الانحسار مؤخراً.
وكانت سوريا قد استعادت معظم أراضيها، بدعم من روسيا وإيران، فيما لا يزال مقاتلو المعارضة، المدعومون من تركيا، يسيطرون على جيب في شمالي وشمال غربي البلاد، بينما يسيطر مقاتلون أكراد مدعومون من الولايات المتحدة على منطقة بالقرب من الحدود التركية.