الشرق الأوسط

تفاقم الأزمة المالية والوظيفية في لبنان بسبب الشغور الجديد


 يضع شغور مرتقب في حاكمية المصرف المركزي، لبنان على حافة اضطراب مالي وفوضى اجتماعية وسياسية محتملة مع انتهاء ولاية رياض سلامة الذي من المفترض أن يغادر منصبه قريبا دون أن تنجح السلطة القائمة بتصريف الأعمال في تعيين خليفة له لأسباب دستورية وبسبب خلافات بين القوى السياسية.

ويواجه مصرف لبنان حالة من الضبابية بشأن قيادته اعتبارا من يوم الاثنين المقبل عندما يتنحى سلامة بدون تعيين خليفة له، مما ينذر بخلل وظيفي جديد في دولة تعاني بالفعل من شلل سياسي وانهيار مالي منذ سنوات.

ويترك سلامه منصبه بعدما قضى فيه 30 عاما، وشُوّهت سمعته بفعل عوامل الانهيار المالي الكارثي الذي بدأ في عام 2019 وتوجيه اتهامات له بالفساد في فرنسا وألمانيا ولبنان رغم نفيه ارتكاب أي مخالفات.

وتعكس أزمة القيادة الانقسامات بين النخبة الحاكمة التي لم تتمكن من الاتفاق على رئيس أو حكومة كاملة الصلاحيات منذ أكثر من عام، مما جعل الأزمة المالية تتفاقم بدون جهود تُذكر لمعالجتها منذ عام 2019.

وكان من المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء أمس الخميس لاختيار خليفة لسلامة، لكن الاجتماع أُلغي بعد خلافات سياسية، وليس في الأفق ما يشير إلى حل على المدى الطويل.

وبموجب القانون اللبناني، يفترض أن يحل أقدم نواب سلامة، وهو وسيم منصوري، محله مؤقتا، لكنه والنواب الثلاثة الآخرين لن يقبلوا إلا على مضض وسيضغطون من أجل الحصول على ضمانات سياسية.

واقترح منصوري وثلاثة نواب آخرين لحاكم مصرف لبنان مجموعة من الإجراءات تتضمن تشريعات عاجلة لإصلاح القطاع المصرفي ووضع ضوابط على رأس المال والتخلص من ربط الليرة اللبنانية بالدولار القائم منذ عقود.

لكن النخبة السياسية قاومت إجراءات الإصلاح في السنوات القليلة الماضية، مما جعل الشكوك تحيط بالخطوات التي اقترحها للمستقبل نواب حاكم مصرف لبنان.

وسيتعين على قادة مصرف لبنان الجدد التعامل مع فجوة في النظام المالي تزيد قيمتها على 70 مليار دولار ودعم سياسي غير مؤكد في دولة منقسمة للغاية وغضب شعبي جامح من تبدد الثروة الوطنية والخاصة.

وبالنسبة للبنان، يعني هذا أن منصبا رئيسيا آخر سيبقى شاغرا بشكل رسمي ورهينة انهيار نظام سياسي قائم على أساس تقاسم السلطة بين الطوائف والذي أدى بالفعل إلى تفشي الفوضى في معظم وظائف الدولة.

وحاول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع بعد شهور لم يتم فيها إحراز أي تقدم بشأن العثور على خليفة لسلامة.

لكن جماعة حزب الله الشيعية المسلحة وحليفها المسيحي حزب التيار الوطني الحر، وكلاهما جزء من الحكومة الائتلافية الحاكمة، يرفضان هذه الخطوات ويقولان إن حكومة تصريف الأعمال لا تملك السلطة لاتخاذ قرار التعيين. وألغي اجتماع مجلس الوزراء أمس الخميس بشكل مفاجئ بسبب عدم حضور الوزراء المرتبطين بهذين الحزبين.

ومنصب حاكم المصرف المركزي، مثل منصب الرئاسة الشاغر، يشغله مسيحي من الطائفة المارونية. واتهم التيار الوطني الحر ميقاتي بمحاولة الاستحواذ على صلاحيات للرئيس عن طريق محاولة تعيين حاكم للمصرف من قبل مجلس الوزراء بينما تعود هذه الصلاحية إلى رئيس الجمهورية.

وهدد منصوري ونواب حاكم المصرف الثلاثة الآخرون الشهر الماضي بالاستقالة إذا أجبروا على تولي المنصب. ويريدون صلاحيات لإقراض المزيد من الأموال للحكومة إذا لزم الأمر والإلغاء التدريجي لمنصة صرف معقدة لليرة التي تراجعت قيمتها كثيرا.

والتقى ميقاتي بنواب حاكم المصرف أمس الخميس وقال مكتبه إنه يعتبر مطالبهم مشروعة وإن مقترحاتهم تتفق مع خطة الحكومة، في محاولة على ما يبدو للحفاظ عليهم.

لكن ليس من الواضح ما إذا كان بوسع ميقاتي تنفيذ هذه التغييرات في ظل المأزق السياسي في لبنان. وأحجم منصوري عن التعقيب لكن نائبا آخر هو سليم شاهين قال إنه يتوقع أن يتولى منصوري إدارة البنك المركزي ابتداء من الأسبوع المقبل.

وقال لرويترز إن نواب حاكم المصرف يمنحون النخبة السياسية ستة أشهر لإجراء إصلاحات بناءة، لكنه لم يفصح عما إذا كانوا سيهددون مجددا بالاستقالة إذا لم يتم إجراء تغييرات، مضيفا “شرطنا أن تكملوا الإصلاحات المطلوبة، بدءا بقانون ضوابط رأس المال”.

وقال مايك عازار الخبير في الشؤون المالية في لبنان، إن نواب الحاكم في مأزق، معتبرا أن “السؤال هو هل سيفعلون الشيء الصحيح ويتصرفون باستقلالية كما يسمح لهم القانون، حتى في مواجهة ما سيكون بالتأكيد ضغوطا سياسية شديدة”.

قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لرويترز اليوم الجمعة إن البنك المركزي لا يزال بإمكانه احتواء الانهيار المالي في البلاد من خلال “مبادرات نقدية” حتى بعدما تنتهي ولايته في نهاية الشهر الجاري.

وتعهد سلامة (73 عاما) مرة أخرى بالرحيل حين تنتهي فترة ولايته يوم الاثنين. وفي الآونة الأخيرة شُوهت فترة ولايته التي استمرت 30 عاما بسبب الانهيار الاقتصادي الشديد والاتهامات في لبنان والخارج باختلاسه مبالغ كبيرة من الأموال العامة في لبنان.

وقال مدافعا عن نفسه، إنه تصرف وفقا للقانون وإن محاميه قدموا معارضات قضائية في فرنسا وألمانيا، اللتان وجهتا له اتهامات، مضيفا “في الوقت الذي أغادر فيه وعلى الرغم من الأزمة التي من المتوقع أن تؤدي إلى انهيار كامل، يستطيع البنك المركزي احتواء هذه الأزمة من خلال مبادرات نقدية”.

وقال إن الاقتصاد اللبناني حقق نموا بنسبة اثنين بالمئة العام الماضي وقد يتعزز النمو ليبلغ نحو أربعة بالمئة في 2023، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل عن معايير محددة.

واستنزف الانهيار 98 بالمئة من قيمة الليرة اللبنانية وانكمش الناتج المحلي الإجمالي 40 بالمئة ودفع التضخم إلى أكثر من 250 بالمئة، بحسب صندوق النقد الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى