هل تمثل احتجاجات السويداء بداية لثورة جديدة ضد نظام الأسد؟
احتشد مئات السوريين في جنوب البلاد للجمعة الثالثة على التوالي لمطالبة الرئيس بشار الأسد بالتنحي عن منصبه، في تحول لمطالب المحتجين من تحسين الأوضاع الاجتماعية إلى التغيير السياسي وامتدادها إلى مناطق أخرى بما فيها الساحل السوري معقل الأسد.
وردد حشد كبير في مدينة السويداء بجنوب البلاد هتافات تقول “بشار بره، سوريا حرة!”. بينما حملت نساء لافتات موجهة إلى أهالي الساحل السوري كتب عليها “ناطرين موجك يا بحر”..
وتواجه سوريا أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انخفاض قيمة العملة إلى مستوى قياسي بلغ 15500 ليرة مقابل الدولار الشهر الماضي في تراجع متسارع بعد أن كانت 47 ليرة مقابل الدولار في بداية الصراع قبل 12 عاما.
وظل الانتقاد العلني للحكومة نادرا في المناطق التي تسيطر عليها، لكن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية أصبح السخط علنيا، وامتد إلى الساحل السوري حاضنة الأسد، ويدور الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن استياء واسع بين شباب هذه المناطق وتحركات سرية للخروج إلى الشوارع في اللحظة المناسبة.
ويقول ناشطون أن السوريين تعلموا الدرس وأصبحت الاحتجاجات والتحركات مدروسة أكثر، خصوصا أن الاحتقان الشعبي بلغ مستويات كبيرة في مناطق لطالما عرفت بتأييدها للنظام.
وأفاد باحث الفلسفة السياسية في جامعة باريس رامي الخليفة العلي “الأزمة الاقتصادية في سوريا بلغت مداها” مضيفا: “حتى أن بعضا من المنتمين للطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار الأسد تحركوا في منطقة الساحل للمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي المتدهور. هناك إدراك من شق واسع من السوريين أن تردي الأوضاع الاقتصادية يعود إلى حالة الجمود السياسي. فالمتظاهرون في السويداء ، حيث القبضة الأمنية أقل من باقي المناطق، رفعوا مطالب بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على انتقال سياسي وتأسيس نظام جديد”.
وفي السويداء التي تحمل خصوصية. تتواجد الحكومة فيها عبر المؤسسات الرسمية، فيما ينتشر الجيش حاليا على حواجز في محيط المحافظة. لذلك يرى ناشطون أن النظام السوري لن يتمكن من تحريك عناصره لقمع المحتجين في السويداء.
وقال ناشط في المحافظة لوكالة الأنباء الفرنسية عبر الهاتف إن “خصوصية السويداء، وخصوصا من ناحية الأقلية الدرزية وعدم وجود مراكز أمنية للنظام وعدم الالتزام بالخدمة الإلزامية. منحتها مجالا أوسع لحرية التعبير”. وأشار إلى أن النظام بعث “وسطاء سياسيين” للبحث مع وجهاء السويداء في كيفية تهدئة الأمور.
ويدعم المحتجون مجموعات مسلحة محلية. بينها مجموعة “رجال الكرامة” التي تعد الأكبر في المحافظة. وقال المتحدث باسم المجموعة أبو تيمور “نقف خلف مطالب أهلنا المحقة”، مشيرا إلى مشاركة عناصر غير مسلحة من المجموعة فيها. وأضاف “لن نسمح بأي اعتداء على المظاهرات”.
وفاقم زلزال مدمّر في فبراير الماضي، الأزمة المعيشية بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة من الدول الغربية. وتشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 90 بالمائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
وتجمع العشرات الجمعة أيضا في محافظة درعا التي انطلقت منها احتجاجات عام 2011. وحمل المتظاهرون العلم ذا النجوم الثلاثة الذي يرمز إلى الانتفاضة السورية، فضلا عن لافتات تنتقد دور إيران، الحليف الرئيسي للأسد.
كما نظم سكان في مناطق أخرى، تسيطر عليها الحكومة السورية وتفرض قيودا أكثر صرامة. حركات احتجاجية أكثر سرية لتجنب اكتشافها من قبل القوات الحكومية. وأظهرت صور نشرها نشطاء على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أن بعض السكان في محافظة طرطوس الساحلية رفعوا الخميس لافتات صغيرة كُتب عليها “سوريا لنا وما هي لحزب البعث (الحاكم)” وفي الخلفية صورة للأسد على لوحة إعلانية كبيرة.
وفي الشمال السوري الذي يخضع لسلطة المعارضة، اندلعت مظاهرات شعبية حاشدة تضامناً مظاهرات السويداء. رفع خلالها المتظاهرون راية الحدود الخمسة التي يرفعها أهالي السويداء في مظاهراتهم، كإشارة إلى وحدة الشعب السوري.
وإلى حد الآن، لم تلجأ قوات الأمن السورية إلى قمع المتظاهرين على الرغم من هجومهم العلني على رموز السلطة، إذ أغلق المحتجون مكاتب حزب البعث ومزقوا صور الرئيس السوري.
ورغم ذلك لا يزال الكثير من السوريين يتخوفون من الخروج للشارع. والعودة إلى ما بعد 2011، حيث استعان النظام بحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني لقمع الاحتجاجات. وهو سيناريو غير مستبعد بالنظر إلى زيارة وزير الخارجية الأخيرة إلى دمشق والتي ينظر إلى توقيتها بأنه ليس بريء خصوصا أنه غادر إلى محطته الثانية بيروت للقاء الأمين العام لحزب الله.
وأكد رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش أن الوضع السوري ليس محكوما فقط بعوامل داخلية. وقال “السوريون باتوا يعلمون جيدا أن العامل الخارجي يؤثر في البلاد. وهو ما جعل مظاهرات السويداء أكثر نضجا في رسائلها السياسية على الرغم من قوتها. هناك حساسية أكبر لدى المتظاهرين في التعامل مع التوازنات المحلية والخارجية”.
بدوره، يرى رامي الخليفة العلي أن “النظام لم يقمع التحركات في السويداء نظرا للطابع الخاص للمدينة، وباعتبار النظام يقدم نفسه على أنه حامي الأقليات في سوريا. كما أن وجود معارضة مدنية غير مسلحة بالمدينة ترك لها هامشا من الحركة. فعدة مناطق في جنوب سوريا أبقت قنوات الاتصال مفتوحة مع النظام وتم التوصل إلى اتفاقات مصالحة منذ سنوات”.
ولم يتورط أهالي السويداء، والذين يمثلون ثلاثة في المئة من السكان، في النزاع طيلة سنوات الحرب الأهلية. وتخلفوا عن دعم النظام أو الانضمام للمعارضة إلا فيما ندر. واكتفى الآلاف من شبانها بحمل السلاح دفاعا عن مناطقهم فقط. دون أن يتخذ النظام موقفا منهم.
في السياق، قال مازن درويش إن “أعداد المتظاهرين الجمعة بساحة الكرامة في السويداء أكثر من سابقاتها. البعض اعتقد أن حركة المطلبية السياسية والاقتصادية في سوريا قد انتهت بعد اتفاقات خفض التصعيد في 2018″.
وأضاف “صحيح أن مساحة الحرية في السويداء أكبر من باقي المناطق. يمكن لي القول إن السويداء معزولة شيئا ما ويمكن أن يستمر التحرك فيها شهورا دون أن يكون مقلقا لدمشق. وحتى في حال توسع رقعة الاحتجاجات. فإن الجميع استخلص العبر مما حدث في 2011 وسنوات الحرب التي تلتها، وستكون التحركات بشكل مختلف”.
وأكد شهود أن التململ من غلاء المعيشة طال أيضا ضواحي دمشق حيث تظاهر سكان في منتصف أغسطس ضد الانقطاع المستمر للكهرباء.
ويؤكد رامي الخليفة ذلك عندما يقول: “التحركات الاجتماعية لم تقتصر على السويداء، لكن تعامل السلطات معها كان مختلفا. إذ تم إطلاق النار على متظاهرين مدينة نوى بمحافظة درعا بعد خروج احتجاجات مماثلة”.
وتأتي التحركات الاجتماعية في سوريا بعد استعادة النظام السوري نوعا من الاعتراف الخارجي باسترجاع مقعد سوريا في الجامعة العربية وزيارة الأسد للإمارات ومشاركته في القمة العربية الأخيرة بجدة.
ويرى متابعون أن الانفتاح العربي كان مشروط بضمانات فشل الأسد في الوفاء بها ومن أبرزها وقف تهريب المخدرات.
وقال العلي أن تأثير العودة السورية لـ”الحضن العربي” يبقى محدودا جدا خصوصا مع تعثر المبادرة العربية في سوريا. وقال “قنوات الاتصال مع الأطراف العربية توقفت تقريبا مع عدم توقف تهريب مخدر الكبتاغون إلى دول الخليج العربي وعدم إحراز أي تقدم سياسي داخلي. أعتقد أن المعارضة الأميركية للانفتاح العربي على دمشق وتمسكها بموقفها من النظام السوري تجعل أيضا تقديم المساعدة الاقتصادية العربية مستبعدا”.
وقد أودى النزاع بأكثر من نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.