المغرب العربي

تونس 2023.. سقوط «مملكة» الغنوشي


عاشت تونس خلال عام 2023 وقائع سقوط “مملكة” راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإخوانية.

فالشيخ الثمانيني الذي عاد بعد 20 عاما في المنفى إلى بلاده على وقع أحداث ما سمي «الربيع العربي» بنى مملكته الخاصة على أنقاض من أحلام التونسيين طوال عقد من الزمن، سعى خلاله لتمكين جماعته من مفاصل السلطة والثروة.

لكن في 17 أبريل/نيسان الماضي كان الغنوشي في طريقه إلى السجن ليحاسب على جرائم متعددة ارتكبها في حق التونسيين خدمة لمصالح الإخوان.

وقد أحبطت السلطات التونسية خلال هذا العام محاولات عدة للإطاحة بنظام الرئيس التونسي قيس سعيد بقيادة الغنوشي مقابل العودة إلى السلطة.

كان اللقاء الأول للغنوشي بالتونسيين حينما وقف لدى عودته من المنفى في خطاب شهير يعد بأنه لن يشارك في العمل السياسي وأنه سيستقيل من رئاسة حركة النهضة الإخوانية.

إلا أن مطامع الحكم جعلته يلهث وراء المناصب فنكث بوعده الأول حينما جدد رئاسته لحركة النهضة بعد 2011 ثم بوعده الآخر حينما اعتلى مقعد رئاسة البرلمان في 2019.

لكن لم يبق في منصبه طويلا حيث اقتلع من الكرسي بعد إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 التي تم على إثرها تجميد عمل البرلمان إلى أن تم حله في 30 مارس/آذار 2022.

ومنذ الإطاحة ببرلمان الإخوان، حاول الغنوشي أن يجد وساطات تتدخل لوقف احتداد الصراع بينه وبين الرئيس قيس سعيد الذي رفض رفضا قاطعا أي وساطات واعتبرها تدخلا سافرا في شؤون بلاده.

وتحرك قيس سعيد تحت ضغوط الشارع التونسي الذي خرج للتظاهر ضد فساد جماعة الإخوان وانشغالها بترتيبات إقليمية دون الالتفات إلى هموم المواطنين التي كانت سببا في اندلاع الثورة ضد نظام زين العابدين بن علي في المقام الأول.

وبعد انسداد طريق الوساطة سعى الغنوشي في مناسبات عدة إلى إيجاد حلول للعودة من جديد للحكم من خلال دعوة أنصاره للفوضى والاقتتال ما دفع بالسلطات التونسية إلى توقيفه في أبريل/نيسان الماضي بتهمة التآمر على أمن الدولة والاعتداء المقصود عبر “تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بالسلاح، وإثارة الهرج والقتل والسلب”.

وجاء توقيف الغنوشي على خلفية تصريحات أدلى بها أمام أنصاره، زعم فيها أن “إبعاد حزب النهضة من السلطة هو تمهيد للحرب الأهلية في تونس وبداية لانطلاقة الفوضى في البلاد”.

وأضاف أن “تونس بدون النهضة والإسلام السياسي مشروع حرب أهلية”، وأن من يدعم إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 التي قضت بحل برلمان الإخوان “يجب أن يضرب بالحجارة”.

ليلة القبض على الغنوشي

تصريحات الغنوشي لم تكن وليدة صدفة، بل كانت كلمة سر لأنصاره من أجل الانطلاق في إحداث الفوضى في البلاد وهذا ما فسرته الوثائق التي تم العثور عليها في منزل الغنوشي وفي منزل ابنته.

لم تكن ليلة عادية تلك التي اعتقل فيها زعيم إخوان تونس، فما صادره الأمن بمكتبه في منزله كان أكبر من القضية المعنية بمذكرة الاعتقال.

ففي تلك الليلة داهم الأمن التونسي منزل راشد الغنوشي وفتشه، وحينها كان الأمر يتعلق بقضية يواجه فيها اتهامات بالتحريض والدعوة للفوضى والفتنة.

لكن ما وجده الأمنيون في مكتبه تجاوز القضية المعنية، حيث تم العثور على وثائق خطيرة جدا تمس الأمن القومي لتونس، لتوجه له تهما على إثر ذلك بالتآمر على أمن الدولة.

ويُحاكم الغنوشي طبقاً لأحكام الفصل 72 من المجلة الجزائية التي تنص على أنه “يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي”.

وعثرت قوات الأمن بمكتب الغنوشي على مخطط كامل الملامح يقوم على ضرورة تشكيل “لجان شعبية” في كل المدن والقرى من أبناء حركة النهضة غير المنتسبين والمنتمين هيكليا للحزب.

وينص هذا المخطط على ضرورة أن تستهدف هذه “اللجان الشعبية” التي سيتم تشكيلها فئات معينة في المجتمع التونسي لتحريضها على الدولة وعلى الرئيس قيس سعيد تحديدا.

كما يتحدث هذا المخطط أيضا عن رصد مبالغ مالية محددة لتلك الأعمال، وقد عثر أيضا على قائمة تضم أسماء قيادات أمنية وعسكرية سابقة من أجل إعادة اختراق الأمن والجيش التونسيين.

و”اللجان الشعبية” مصطلح تطلقه حركة النهضة على مليشيات تشكلها من اللصوص وأصحاب السوابق، وتوظفها لاستهداف أشخاص أو أحزاب منافسة، تماما كما فعلت في 2011 تحت مسمى “لجان ورابطات حماية الثورة”.

جرائم الغنوشي

وكانت هذه التهمة هي بداية المحاسبة ليفتح على أثرها باب المحاكمات، بتصدر بحقه في 21 أبريل/نيسان مذكرة إيداع بالسجن بتهمة التآمر.

ويحاكم الغنوشي على جرائم متعددة أبرزها: الفساد المالي والإرهاب والاغتيالات وتسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر والتخابر على أمن الدولة.

وفي مايو/أيار الماضي، أصدر القضاء التونسي مذكرة إيداع ثانية بالسجن بحق راشد الغنوشي لشبهة إرهابية بعد وصفه لرجال الأمن بالطواغيت.

ويرى عمر اليفرني الناشط والمحلل السياسي أن سقوط الغنوشي لم يكن بالأمر الهين حيث كان يدير اللعبة من خلف الستار دون أن يترك دلائل تدينه.

ويرى اليفرني أن الغنوشي كان ينفذ تعليمات تنظيم الإخوان العالمي الذي كان ينظر لتونس لا كدولة وإنما جزء من رقعة أكبر تخدم لأجنداتهم التي وضعوا فيها دورا للتنظيمات المتشددة مثل أنصار الشريعة.

وقال المحلل السياسي إنه منذ عودة الغنوشي إلى تونس، دخلت البلاد في دوامة من العنف وأصبح هذا البلد الأفريقي مصدرا للإرهاب، مضيفا أن “الغنوشي وتنظيمه ساهما في تسفير الإرهابيين بعد تلقينهم الأفكار المتشددة من خلال الدعاة والوعاظ إلى سوريا وليبيا”.

وأضاف أن “النهضة سمحت للتنظيمات المسلحة المتشددة وعلى رأسهم تنظيم أنصار الشريعة بالعمل العلني والمباشر بين عامي 2011 و2013، وحينها وقال الغنوشي أنهم يذكرونه بشبابه.

وتابع: “يواجه الغنوشي أيضا قضية جمعية نماء الخيرية المتعلقة بقضية الاغتيالات السياسية التي راح ضحيتها القيادي اليساري شكري بلعيد والقيادي القومي محمد البراهمي سنة 2013″.

وخلص إلى أنه بسقوط الغنوشي انتهت حركة النهضة نهائيا موضحا أن المحاسبة هي مطلب شعبي بامتياز ويجب أن تتم وفق القانون، كي لا يفلت لا الغنوشي ولا غيره من العقاب.

غلق مقار الإخوان

ومنذ اعتقال الغنوشي أعلنت السلطات التونسية غلق جميع مقار حركة النهضة الإخوانية ومنعت جميع اجتماعاتها ليكون ذلك الخطوة التي أنهت تنظيم الإخوان في البلاد.

لكن جماعة الإخوان بتونس لم تيأس وحاولت النهوض من رمادها وتخفت وراء جبهة الخلاص التي تم تأسيسها كي ينشطوا عبرها.

وقال عبد الرزاق الرايس المحلل السياسي التونسي إن اعتقال الغنوشي يعني نهاية حركة النهضة عمليا.

وأكد في تصريحات أن النهضة استطاعت التغول في تونس بعد 2011 عبر ضخ أموال طائلة كانت ترسل إلى تونس من الخارج إلى الغنوشي مباشرة وكانت تدخل لتونس عن طريق جمعيات خيرية ذات أنشطة إرهابية مثل “مرحمة” و”نماء”.

وأشار إلى أن “حركة النهضة الإخوانية تلقت منذ 2011 أموالا طائلة من الخارج، بشكل يتعارض مع القانون التونسي الذي يمنع تلقي الأموال الخارجية، ويجبر الأحزاب والجمعيات على كشف حساباتها المالية ومصادر تمويلها”.

وتابع “منذ تجميد أموال الحزب وأموال الغنوشي وغلق مقار النهضة ومنعهم من الاجتماعات انتهى دور جماعة الإخوان في تونس”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى