فرنسا.. 4 سيناريوهات تحكم رئاسة الوزراء
لأسابيع، غرقت فرنسا في تخيلات سيطرة أقصى اليمين على السلطة، لكن الشعب أخرج من جعبته اليسار الذي حل في المرتبة الأولى بشكل مفاجئ.
وكان احتمال وصول أقصى اليمين إلى السلطة لأول مرة في تاريخ فرنسا المعاصر، هو كل ما كان يدور الحديث عنه في الأسابيع الماضية، خاصة منذ دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون لانتخابات تشريعية مبكرة، مساء 9 يونيو/حزيران الماضي.
ورغم كل الاحتمالات، حلّت الجبهة الشعبية الجديدة، وهي تحالف أُبرم على عجل بين الأحزاب اليسارية الرئيسية الأربعة؛ الاشتراكيون والخضر والشيوعيون وحركة فرنسا الأبية بزعامة جان لوك ميلانشون، في المقدمة، بينما تراجع التجمع الوطني (أقصى اليمين) بزعامة مارين لوبان إلى المركز الثالث.
لكن الجبهة الشعبية الجديدة لم تحقق الأغلبية المطلقة المقدرة بـ289 مقعدا، واكتفت بـ32% من المقاعد، لكنها تظل الكتلة الأكبر في البرلمان، وتنتظر تعيين رئيس وزراء من بين صفوفها.
ماذا يقول القانون؟
ويعود اختيار رئيس وزراء فرنسا بشكل رسمي، إلى رئيس البلاد، ولا يوجد نص قانوني واضح يلزمه بنتائج الانتخابات، لكن العرف السياسي يفرض اختيار رئيس الحكومة من صفوف أقوى قوة سياسية أو ائتلاف سياسي في البرلمان.
والسؤال الكبير الآن هو: من سيرشحه اليسار لتولي منصب رئيس الوزراء؟ وخلال الحملة الانتخابية، اختارت الجبهة الشعبية الجديدة عدم ترشيح رئيس وزراء لقيادة قائمتها الانتخابية، على عكس التجمع الوطني الذي سمى جوردان بارديلا والتحالف المؤيد لماكرون، بقيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته غابرييل أتال.
والسبب غير المعلن كان واضحًا تمامًا: لم يكن بمقدور الأحزاب المكونة للتحالف اليساري، التوصل إلى توافق في الآراء بشأن هذه المسألة.
وبعد فوز التحالف الآن، من المرجح أن يرمي عشرات النواب اليساريين المنتخبين حديثًا بأسمائهم في الحلبة، لكن ستملك القوتان الرئيسيتان داخل الائتلاف؛ فرنسا الأبية والاشتراكيون، الثقل الأكبر في المحادثات المقبلة، ما يعني استبعاد زعيمة حزب الخضر مارين تونديلييه منذ البداية على الرغم من حضورها القوي خلال الحملة الانتخابية العامة، بسبب ضعف حزبها داخل أروقة التكتل.
وفي هذا السياق هناك 4 سيناريوهات تحكم مستقبل رئاسة وزراء فرنسا، وهي:
جان لوك ميلانشون وأنصاره
من المتوقع أن تحصل حركة “فرنسا الأبية” التي يتزعمها ميلانشون، وهي الأكثر راديكالية من بين الأحزاب الأربعة الرئيسية داخل الائتلاف، على أكبر عدد من المقاعد بين المجموعات اليسارية.
وتمنح قوة الحزب في البرلمان، بالإضافة إلى الأداء القوي الذي حققه ميلانشون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث حل ثالثا، حججًا لليسار للادعاء بأن رئيس الحكومة المستقبلي يجب أن يأتي من صفوف الحزب، وبالتحديد ميلانشون.
وإذا ما أتيح للجبهة الشعبية الجديدة الاختيار، فمن المرجح أن يكون الاختيار الواضح هو ميلانشون نفسه، لكن نهج هذا الرجل الصعب في السياسة وموقفه المتشدد من قضايا تتراوح من الاقتصاد إلى الحرب في غزة يجعله سامًا للناخبين المعتدلين.
وفي وقت سابق، قال ميلانشون أيضا، إنه لن “يفرض” نفسه في منصب قيادي.
في المقابل، طُرحت أسماء أخرى موالية للجبهة الشعبية الجديدة، بما في ذلك منسق الحركة مانويل بومبار، ورئيسة كتلتها في البرلمان ماتيلد بانو، والشخصية الصاعدة كليمانس غوتيه أو إريك كوكريل، رئيس اللجنة المالية في الجمعية الوطنية الفرنسية. وجميع هذه الأسماء ستكون محل تفاوض في الفترة المقبلة.
لكن يبقى الخيار الأكثر ثقلا في هذا السيناريو هو ميلانشون.
خصوم ميلانشون
يمكن أن يأتي التحدي الأول لرئاسة وزراء تحت قيادة ميلانشون، من حلفائه من النواب الذين ناضلوا إلى جانبه في الانتخابات الرئاسية، لكنهم قطعوا علاقاتهم معه منذ ذلك الحين.
ويمكن أن يدعي هؤلاء المرشحون أنهم متناغمون أيديولوجيًا مع الفرع المهيمن للجبهة الشعبية الجديدة بينما يُنظر إليهم على أنهم أقل تشجيعا للانقسام من ميلانشون.
ومن بين هؤلاء فرانسوا روفان، وهو صحفي ومخرج سينمائي سابق يتطلع إلى الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والذي وصف ميلانشون في الفترة الماضية، بأنه “عائق”.
وبالمثل، يمكن لكليمنتين أوتان، التي كانت جزءًا من مجموعة “فرنسا الأبية” في الدورتين التشريعيتين السابقتين ولكنها أصبحت تنتقد ميلانشون بشكل متزايد، أن تطرح نفسها على الطاولة.
وقالت أوتان الشهر الماضي إنها “مدركة” لكونها “واحدة من أولئك الذين يمكنهم المطالبة بأن تكون رئيسة للوزراء في حالة الفوز”.
ورغم ذلك، فإن الخيار الأكثر ترجيحا في هذا السيناريو هو فرانسوا روفان، وفق مجلة بوليتيكو الأمريكية.
الاشتراكيون
وصل الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى أدنى مستوياته في عام 2022 عندما حصل على 1.7 % في الانتخابات الرئاسية.
لكنه شرع منذ ذلك الحين في صعود غير متوقع، بلغت ذروته في ظهوره القوي في الانتخابات الأوروبية، حيث احتل المركز الأول بين القوى اليسارية بحصوله على ما يقرب من 14 % من الأصوات.
ويمتلك الاشتراكيون عددًا أقل من النواب مقارنة بحزب “فرنسا الأبية”، لكنهم مع ذلك عززوا وجودهم في البرلمان وسدّوا الفجوة مع حزب ميلانشون. ويمكنهم أن يأملوا في الحصول على دعم من حزب الخضر في محاولة لمنع حزب فرنسا الأبية من السيطرة على البرلمان.
ويمكن أن يأتي المرشحون المحتملون لرئاسة الوزراء من الجيل الجديد في الحزب الاشتراكي، بما في ذلك الرئيس الحالي للحزب أوليفييه فور، أو رئيس الحزب المنتهية ولايته بوريس فالو أو المرشح الرئيسي في انتخابات الاتحاد الأوروبي رافائيل غلوكسمان.
وانتُخب فالو (48 عامًا) لأول مرة في البرلمان في عام 2017. ودرس إلى جانب ماكرون في المدرسة العليا للموظفين العموميين في فرنسا، وشغل سابقًا منصب نائب الأمين العام لقصر الإليزيه، تماما مثل الرئيس.
ولكن قد يحاول بعض الوجوه القديمة العودة للواجهة، إذ من المقرر أن يعود فرانسوا هولاند، الرئيس الاشتراكي السابق لفرنسا، إلى السياسة بقوة بعد فوزه في دائرته الانتخابية، ليصبح ثاني رئيس في تاريخ فرنسا الحديث يعود إلى الجمعية الوطنية (البرلمان) بعد خروجه من الإليزيه.
لكن الخيار الأكثر ترجيحا في هذا السيناريو هو بوريس فالو.
الخيارات غير الحزبية
قد تكون إحدى الطرق لتجنب الخلافات بين الأحزاب هي أن يختار اليسار شخصًا من خارج المشهد السياسي.
إذ وضع بعض وجوه الجبهة الشعبية، هذا الخيار على الطاولة الشهر الماضي من خلال طرح لوران بيرجيه المعروف، سواء في اليسار أو اليمين، بقدرته على خلق التوافق وسد الفجوات. ومع ذلك، قد يكون نهجه المعتدل غير مناسب لميلانشون.