رعاية أميركية لصفقة بين الأكراد والأسد: بوابة الحل للأزمة السورية
أكد تقرير أميركي أنه يتحتم على واشنطن أن تتصالح مع حقيقة أن المنطقة بأكملها تعمل على تطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، والسياسة الحالية التي كانت قائمة على تغيير النظام في دمشق قد فشلت، والمطلوب حاليا من الإدارة الأميركية رعاية صفقة بين الأكراد والأسد.
وذكر تقرير “معهد كوينزي” إن قرار الأمم المتحدة رقم 2254، الذي يطالب بالتحول الديمقراطي في سوريا لتسليم السلطة للمعارضة السورية، ليس أمامه فرصة للنجاح، وكذلك الأمر بالنسبة للجهود المبذولة لإبعاد سوريا عن إيران.
واعتبر أن ما من شيء منطقي الآن فيما يتعلق بجهود انشاء كيان كردي شبه مستقل في شمال شرق سوريا، وهي جهود تواجه معارضة من كل جيرانها الأكثر قوة، وخصوصا تركيا، مضيفا أن كل واحدة من هذه السياسات الثلاث، أي “تغيير النظام”، ودحر إيران، والحفاظ على دويلة يديرها الكرد في سوريا، تستند على فكرة نجاح تغيير النظام في دمشق.
الأسد يعتمد على الأكراد من أجل تحقيق التوازن مع العشائر العربية في المنطقة وسيطرته على مناطق الشمال الشرقي تماما وضمان عدم عودة القاعدة أو داعش.
ولفت إلى أن الدافع الأول وراء نشر القوات الأميركية في الشرق السوري، كان مكافحة تنظيم داعش، فيما السياسة الجديدة غير المعلنة تتمثل الآن في “دحر” إيران من خلال اغلاق الحلقة الرئيسية في سلسلة “محور المقاومة” المتمثلة بسوريا.
ومع انتخاب بزشكيان، الذي أشار إلى مساعيه للانفتاح ازاء الغرب والرغبة في إعادة التواصل مع الولايات المتحدة بشأن تحسين الأداء النووي والعقوبات، فإنه يتحتم على واشنطن أن تلاقيه في منتصف الطريق.
وتطرق التقرير إلى دور تركيا سابقا في تسهيل وصول الجهاديين والسلاح من كافة انحاء العالم إلى سوريا، وأشار إلى النتائج غير المتوقعة لدعم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان للمقاتلين الاسلاميين، بعدما عبرت موجات من اللاجئين الحدود الى تركيا هربا من الحرب السورية، وصارت تركيا تعاني من التوترات المجتمعية التي تفاقمت بسبب وجود 3.7 مليون لاجئ سوري في البلاد، منوها أن أردوغان قرر مؤخرا ان الوقت صار مناسبا لرحيلهم برغم تلقيه أكثر من 11 مليار دولار من المساعدات الخارجية بسبب اللاجئين.
ويعتبر أردوغان أن الوضع الراهن الذي تحافظ عليه الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، أصبح غير مقبول بالنسبة إليه، من ناحية إقامة منطقة كردية مستقلة، مذكرا بهذا الاطار بعملياته العسكرية “درع الفرات” و”نبع السلام” والتي ادت الى قطع الترابط بين المناطق الكردية الثلاثة في عفرين، كوباني، الجزيرة.
واليوم وبعد بعد 12 سنة على دعمه لجهود الاطاحة بالأسد، أدرك أردوغان أن الرئيس السوري موجود ليبقى، ويفضل وجوده على حدوده الجنوبية على وجود جيب كردي مستقل، ولهذا دعاه لزيارة اسطنبول، وطلب وساطة الروس مؤكدا على إمكانية التطبيع بين البلدين.
وفي المقابل، فإن الأسد يريد التزاما تركيا في البداية بسحب قواتها من الأراضي السورية، وهو منفتح على اللقاء باردوغان، وحريص على إعادة بسط السيادة السورية على الأراضي التي خسرها أمام فصائل المتمردين والجيوش الاجنبية، إلى جانب أن إحياء التجارة مع تركيا سيوفر شريان الحياة الذي تشتد الحاجة إليه بالنسبة للاقتصاد السوري المنهك.
كذلك يحرص الأسد على أن يكون له حليف في المواجهة الوشيكة مع الكرد المدعومين من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا حيث يحاول الاستفادة من التهديد المتمثل في الغزو التركي لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من أجل التفاوض على اتفاق مع الكرد. وقد أوضح الاسد أنه لن يسمح للأكراد بأنْ يحتفظوا بجيشهم، وهو ما لن يقبله الكرد طالما بقيت القوات الأميركية في شمال شرق سوريا.
وذكر التقرير بأنَّ واشنطن لا يمكنها إبقاء قواتها في سوريا إلى الأبد، مشيرا إلى أنه سبق لها أن أبلغت الأكراد أنها لن تساعدهم في اقامة دولة مستقلة، مضيفا أنه مع تولي ادارة أميركية جديدة السلطة في العام 2025، فإن الوقت قد حان لانسحاب القوات الأميركية من سوريا.
من مصلحة واشنطن أن يهرب النازحون من تركيا عبر رحلة محفوفة بالمخاطر على متن قوارب مطاطية متجهة إلى أوروبا، وخلق أزمة مهاجرين ثانية وزيادة تمكين اليمين المتطرف الأوروبي.
ومع اقتراب الحرب في غزة من عامها الأول، فإن سياسة الولايات المتحدة ومصداقيتها في الشرق الاوسط، تتدهور بشكل كبير، بينما يتصاعد الغضب التركي إزاء الولايات المتحدة منذ أن بدأت في تسليح الأكراد في نهاية العام 2014.
واعتبر المعهد الأميركي أنه أمام الولايات المتحدة فرصة سانحة لكي تصلح سياسة عقوباتها وتستخدمها من أجل التوصل إلى اتفاق مناسب بين قوات سوريا الديمقراطية وبين الحكومة السورية، موضحا أنه في إطار صفقة كهذه فان الكرد سيحتفظون بدرجة محدودة من الحكم الذاتي مقابل استعادة الحكومة السورية سيادتها على المنطقة.
واعتمد الأسد دائما على الكرد من أجل تحقيق التوازن مع العشائر العربية في المنطقة، إذ يحتاج إليهم من أجل سيطرة حكمه على مناطق الشمال الشرقي تماما كما يحتاج إليهم لضمان عدم عودة القاعدة أو داعش.
وخلص التقرير إلى القول أن هناك صفقة ممكنة بين الكرد ودمشق، وإنه بمقدور الولايات المتحدة استخدام نفوذها لضمان إنها الصفقة الأفضل تماما.
كما ذكّر التقرير باتفاقية أضنة للعام 1998 بين سوريا وتركيا التي اعتبر أنها ستفعل في نهاية المطاف بين الطرفين لأنها كانت بمساعدة من الولايات المتحدة وساهمت في الفترة الدافئة والمستقرة الوحيدة في العلاقات التركية السورية خلال ال100 عام الماضية.
وتساءل عما إذا من مصلحة واشنطن أن يعود بعض اللاجئين البالغ عددهم 3.7 مليون لاجئ من تركيا إلى سوريا، وتكون قادرة اقتصادية ومدعومة بصندوق مساعدات، كما تساءل عما إذا كانت العقوبات سترفع عنها، أم أن مصلحتها أن يهرب النازحون من تركيا عبر رحلة محفوفة بالمخاطر على متن قوارب مطاطية متجهة إلى أوروبا، وبالتالي خلق أزمة مهاجرين ثانية وزيادة تمكين اليمين المتطرف الأوروبي؟
ومن شأن اتفاق يخفف العقوبات مع الحكومة السورية أن يساهم في تأمين حقوق الكرد، وهو سيحفز الاقتصاد بما يكفي لإقناع بعض اللاجئين السوريين بالعودة ومنع السكان السوريين من المغادرة.
ودعا الولايات المتحدة إلى عدم مقاومة إرادة حلفائها العرب والأتراك الذين يسعون الى التطبيع مع دمشق وعودة السوريين الى وطنهم، مشيرا أيضا إلى أن العديد من الحلفاء الأوروبيين حريصون أيضا على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق ورفع العقوبات التي يعتبرون أنها فشلت في “تغيير النظام” والحقت الضرر بالمدنيين بشكل رئيسي وليس بالنظام، حيث يطالب وزراء أوروبيون بتغيير السياسة إلى سياسة تخلق “واقعا يكون فيه لدى السكان الارادة والاهتمام للبقاء في سوريا والعودة إليها”.
ومن شأن رفع العقوبات أن يساعد الاقتصاد السوري على النمو مجددا وإعطاء الأمل بمستقبل أكثر إشراقاً لـ90 بالمئة من السوريين الذين يعيشون بمستوى الفقر.
وفي حال استمرت الولايات المتحدة في إحباط عملية التطبيع التي يسعى إليها أقرب حلفائها، فإن واشنطن ستتعرض الى الطرد من المنطقة، إذ أن جهود أردوغان لإحياء صداقته السابقة مع الأسد تدفعها رغبتهما المتبادلة في أن يشاهدا القوات الأميركية وهي تنسحب من شمال شرق سوريا.
وخلص التقرير الى القول أن الولايات المتحدة لن تؤذي نفسها وحلفائها الخليجيين والأوروبيين، إلا من خلال مقاومة هذه الجهود، مضيفا ان الانسحاب الأميركي من سوريا سيساعد على تنشيط الاقتصاد السوري، والحد التوترات مع حلفائنا الرئيسيين في المنطقة، وتخفيف مشكلة اللاجئين التي تلقي بعبئها على كاهل أوروبا.