مبادرة الفرسان اللبنانية تدعو لإنهاء المحاصصة الطائفية لإنقاذ البلاد
يحدو اللبنانيين آمال بعد تجاوز عقدة الشغور الرئاسي، بأن يدخل لبنان عهدا جديدا يخرج معه من أسوأ ازمة سياسية واقتصادية في تاريخه، إلا أن المسار الراهن لتشكيل الحكومة الجديدة يثير مخاوف الأوساط الشعبية والمنظمات المدنية التي سئمت من التعطيل والمناورات الحزبية والطائفية، من استنساخ منظومة الحكم السابقة وبالتالي إبقاء البلد في دوامة المحاصصات الطائفية والحزبية.
وانطلاقا من شعور متزايدة بالإحباط لدى اللبنانيين، وجهت ‘مبادرة الفرسان اللبنانية’ رسالة إلى رئيس الوزراء المكلف نواف سلام، دعته فيها إلى القطع مع نهج المحاصصة الطائفية والحزبية باعتبار أن قادة الطوائف والأحزاب يركزون على خدمة مصالحهم ومصالح طوائفهم وأحزابهم أكثر من تركيزهم على المصلحة الوطنية.
وشددت الرسالة التي صدرت عن مكتب رئيس المبادرة الدكتور مصطفى قراعلي، على ضرورة إنهاء الطائفية السياسية في الممارسة اللبنانية وأن هذا الأمر لم يعد خيارا وإنما حتمية لابد منها لإنقاذ لبنان، محذرة في الوقت ذاته من أن تكرار التجارب السابقة القائمة على المحاصصة لم يعد أمرا مقبولا.
ومنذ اتفاق الطائف، يعتمد لبنان نظاما سياسيا قائما على المحاصصة الطائفية ورغم أن هذا النظام أدخل البلاد في مآزق سياسية وأزمات متعددة الرؤوس، لا تزال النخب السياسية تصر على اتباعه.
ولسنوات طويلة هيمن حزب الله المدعوم من إيران وحلفاؤه على قرار الدولة اللبنانية وتسبب ذلك في اغراق البلاد في أزمات محلية وإقليمية وأثر على علاقات لبنان مع محيطه العربي ومع دول الخليجية التي كانت أكبر الجهات المانحة والداعمة له.
وعلى ضوء المتغيرات الأخيرة ومنها نهاية أزمة الشغور الرئاسي وتراجع نفوذ حزب الله وإيران في الساحة اللبنانية، بدا أنه بإمكان لبنان التعافي من عقود من الأزمات والمشاكل، لكن العودة لنموذج الحكم على أساس المحاصصة الطائفية والنزاع على الحقائب الوزارية مع تمسك الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) بوزارة المالية وهي حقيبة شديدة الحساسية، زاد من مخاوف اللبنانيين من تكرار تجارب الماضي واهدار فرصة التغيير.
وأكدت ‘مبادرة الفرسان اللبنانية’ في رسالتها على أن الواجب الوطني يقتضي السعي نحو “بناء دولة تقوم على أسس بعيدة عن انقسامات الأحزاب الطائفية، باعتبارها خطوة ضرورية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة لهذا الوطن الجريح. فقط من خلال هذا النهج يمكن تأسيس دولة حديثة ومتقدمة وعادلة تكون عابرة للطوائف”.
ودعت إلى “تشكيل حكومة قادرة على توحيد الصفوف وتجاوز الانقسامات الطائفية على صعيد الدولة. ويتطلب ذلك من الحكومة اللبنانية الجديدة”، مطالبة بـ”تفكيك الارتباط بين مؤسسات الدولة والأحزاب الطائفية لكلّ الطوائف، بحيث تتجنب الدولة أن تكون اشتراكية طوائف أو أن تتبنى أي طابعا طائفيا في ممارسة سلطتها”.
وشددت كذلك على أهمية ترسيخ الفصلٍ وبشكل واضح بين السلطة التنفيذية والأحزاب والكتل الطائفية داخل البرلمان.
ونبهت إلى تعالي أصوات عدد من الأحزاب من بينها حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، منادية بالحفاظ على حصصها الوزارية بذريعة أنها “الأكثر نزاهة وشفافية”، موضحة أنه لا يمكن تشبيه هذا النموذج بالممارسة الحزبية في الدول الغربية بالواقع اللبناني حيث أن الأحزاب (في لبنان) “تمثّل الأحزاب مصالح طائفية أكثر من كونها تيارات سياسية ذات برامج واضحة تُنتخب على أساسها”.
وقالت ‘مبادرة الفرسان اللبنانية’ إن “اختزال المواطن في طائفته ثم حصر التمثيل السياسي ضمن الأحزاب الطائفية، يشكّل خللا هيكليا يعرقل عملية صنع القرار الحكومي ويدفع البلاد نحو مزيد من التعطيل والتراجع”.
وحذرت في هذا السياق من أنه حين تتحول الطائفية إلى جزء من القرار الوزاري، “يتحوّل التعطيل إلى وسيلة ضغط لاقتسام النفوذ والمغانم باسم عصب طائفة زعيم ذلك الحزب أو تلك الكتلة، ما يفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية ويقوّض الثقة العربية والدولية بلبنان”.
وتعكس رسالة المبادرة بالفعل، ما يمكن وصفه بجرح لبنان الدائم على مدار عقود من نظام الحكم القائم على المحاصصة الحزبية والطائفية التي عمقت أزمة البلاد السياسية والاقتصادية ولم توفر مخرجا لتركة من المشاكل من ارث اتفاق الطائف الذي كان في وقتها حلا أنهى الحرب الأهلية، لكن بمنطق التحولات والمتغيرات الجيوسياسية كان يفترض أن تلائم النخب السياسية الاتفاق مع تلك المتغيرات، لكن استثمار الاتفاق لجهة ترسيخ الطائفية والمصالح الحزبية، وفر أرضية خصبة لهيمنة منطق الطائفة على منطق الدولة وشكل الثنائي الشيعي نموذجا صارخا لهذا المنطق.
وأشارت الى أن الأحزاب منطق ما يسمى بـ”التوافقية” – وهي الإشتراكية المتسترة – “لمنح نفسها سلاح الثلث المعطل، ما أدى إلى تعطيل الوطن نفسه، فيما دفع المواطنون الثمن الأكبر من أزماته”.
وكانت ورقة التعطيل حاضرة بقوة على مدار سنوات الأزمة التي أنهكت لبنان وأصابت شعبه بالإحباط واليأس، بينما تتضاءل الفرص حاليا لاستثمار المتغيرات الناجمة عن اضعاف نفوذ حزب الله بعد تلقيه ضربات إسرائيلية قاصمة في الحرب الأخيرة.