هزيمة الفاشر… ماذا يكشف الانهيار الميداني عن أزمة الجيش السوداني؟

ما جرى في الفاشر ليس مجرد انتكاسة عسكرية عابرة، بل هو انعكاس عميق لأزمة بنيوية تضرب المؤسسة العسكرية السودانية في صميمها، وتجعلها غير قادرة على مواجهة التحديات المركبة التي تفرضها الحرب الحالية. فالهزيمة التي مُني بها الجيش في عاصمة شمال دارفور تُعد من أخطر الضربات التي يتعرض لها منذ اندلاع النزاع، لما تحمله من رسائل ودلالات استراتيجية قد تغير موازين القوى على الأرض.
أسباب الهزيمة: ثغرات داخلية وخيانة محتملة
المعلومات المسربة من مصادر استخباراتية تشير إلى أن الهجوم على مواقع الجيش في الفاشر كان سريعاً ومنسقاً بشكل أربك القوات الحكومية، التي فقدت عدداً من المواقع الحيوية خلال ساعات قليلة. انسحابات غير منظمة من بعض الوحدات، وانعدام القيادة الفاعلة، ونقص الإمدادات العسكرية… كلها عوامل ساهمت في انهيار الدفاعات.
الأخطر من ذلك، ما يتردد عن وجود اختراق داخلي أو خيانة ساعدت في تمهيد الطريق أمام القوات المهاجمة. هذا الاحتمال، إن صحّ، يكشف هشاشة المنظومة الأمنية والاستخباراتية داخل الجيش، وفشلها في رصد التحركات قبل وقوع الكارثة.
أزمة قيادة وفقدان الثقة
لا يمكن قراءة هزيمة الفاشر بمعزل عن التخبط الذي تعيشه القيادة العسكرية منذ بداية الحرب. الجيش السوداني اليوم يعاني من أزمة ثقة بين القادة والجنود، تفاقمت بفعل سوء إدارة المعارك وتدهور الروح المعنوية بسبب طول أمد الصراع، وغياب الرؤية السياسية والعسكرية الواضحة.
القيادة التي فشلت في السيطرة على دارفور سابقاً، تجد نفسها الآن أمام انهيار جديد، دون أن تقدم تبريرات للرأي العام أو تعلن خططًا واضحة لإعادة تنظيم الصفوف. الصمت الرسمي، بدلاً من طمأنة الحلفاء، يعمّق الشكوك ويفتح الباب أمام التكهنات.
التداعيات الإقليمية والدولية
هزيمة الفاشر تحمل تداعيات أبعد من ساحة المعركة. القوى الدولية والإقليمية، التي تراقب تطورات المشهد السوداني بقلق، ترى في هذه الهزيمة مؤشرًا على قرب انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة. تمدد الصراع نحو كردفان أو حتى مناطق وسط السودان سيعني موجة نزوح كارثية وفوضى سياسية قد تعجز الحكومة الانتقالية – أو حتى المجتمع الدولي – عن احتوائها.
الفاشر… نقطة التحول؟
السؤال الأكبر الآن: هل ستكون هزيمة الفاشر نقطة تحول في مسار الحرب؟ الإجابة تعتمد على قدرة الجيش السوداني على إعادة بناء نفسه، واستعادة ثقة جنوده، ووقف النزيف الداخلي. لكن المؤشرات الحالية توحي بعكس ذلك. فالقيادة تبدو مشلولة، والدعم الشعبي يتآكل، بينما تواصل القوى المناوئة حشد مكاسبها على الأرض.