يبدو أن رؤية الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه الشرق الأوسط وتحديداً العراق وسوريا يشوبها نوع من الإرباك والتردد غير المبرر.
في ظل تسارع التطورات الميدانية في كل من البلدين، وهذا التردد تجلى في تعاطي الإدارة “البايدنية” مع القصف الذي تعرض له مطار أربيل في إقليم كردستان العراق، إذ تعهد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بدعم بلاده للتحقيق في الهجوم الصاروخي الذي استهدف قاعدة أمريكية قرب مطار أربيل، وخلف قتيلاً و9 جرحى، بينهم أمريكيون، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، إن الوزير بلينكن عبر في اتصال مع رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني عن دعم واشنطن لكل جهود التحقيق في هجوم أربيل من أجل محاسبة الجناة.
وهذا يدفعنا إلى التساؤل، هل يكون الهجوم الصاروخي على مطار أربيل ومحيطه أول امتحان للرئيس جو بايدن في معالجته لأزمات العراق؟ الإجابة نعم، لأن تلك الهجمات لن تحدد فقط كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع بغداد، وكيف ستوازن علاقاتها مع كل من إيران وتركيا،، كما أن المحادثات الهاتفية بين وزير خارجية الولايات المتحدة والقيادة العراقية وتحديداً مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تدعونا إلى المقارنة بين مواقف الرئيس بايدن المترددة إزاء استخدام القوة خصوصاً مع إيران، والرئيس ترامب الذي أمر باستهداف قاسم سليماني عند وقوع هجوم اتهمت واشنطن إيران بتدبيره أدى إلى مصرع متعاقد أمريكي، فالتعاطي مع إيران وتركيا من محور العراق-سوريا يمثل أزمة لبايدن..
ولكن يبدو أن بايدن قد يسمح لتركيا بفرض نفوذها المسلح على الشمال السوري، إضافة إلى أنه لن يقدم على محاسبة إيران على هيمنتها على سوريا، وبالتالي لن يكون تعاطي بايدن مع الأكراد أولوية استراتيجية له. ومن المرجح أن يبقي الرئيس بايدن – نتيجة تردده – على الأوضاع السيئة في سوريا كما هي عليه الآن، ما دام ظل هدفه توقيع اتفاق حول أنشطة إيران النووية.
وهذا ما ترجمته الإجراءات التي اتخذتها إدارته تجاه طهران، إذ أبلغت في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي بسحب إعلان سلفه الرئيس دونالد ترامب، حول استئناف كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
وقال القائم بأعمال مندوب الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، في رسالة وجهها لمجلس الأمن، إن الولايات المتحدة تسحب إعلان إدارة ترامب إعادة فرض كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران في سبتمبر/أيلول 2020.
إن إجراءات الإدارة الجديدة لتخفيف قيود السفر على مسؤولي النظام الإيراني، وإزالة التهديد بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، والاستعداد للتفاوض دون شروط مسبقة، هي تنازلات غير ضرورية للنظام. إنها تجاهل للرغبات المعلنة للمعارضين البارزين داخل إيران الذين دعوا الرئيس بايدن علانية لمواصلة الضغط على النظام والاتجاه لتعهد الإدارة بتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في سياستها الخارجية تجاه طهران.
وبالتالي، لا ينبغي للولايات المتحدة الدخول في أي مفاوضات مع النظام الإيراني حتى يحرر جميع الرهائن الأجانب وينهي دعمه للإرهاب الدولي ومليشياته المسلحة الإرهابية في العراق واليمن وسوريا ولبنان. وتحرير كل سجين سياسي وسجين رأي.
فالخطوات المعلنة أتت فيما أفادت وسائل الإعلام الأوروبية بأن إيران احتجزت مواطناً فرنسياً كرهينة، وبالتالي لن تؤدي إلا إلى تقوية النظام في حملة الابتزاز، وتشجّع النظام على ألا يتردد في زيادة تهديد الأمن الدولي والمواطنين الأمريكيين وحياة الشعب الإيراني.
كما أعلنت مجموعة NUFDI معارضتها بشدة لهذه الإجراءات، وحثت الإدارة على الوفاء بتعهدها بالتعامل الفوري مع الآراء المعارضة، خاصة آراء الإيرانيين الأمريكيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وقد يتساءل البعض عن دور الأكراد أنفسهم وضرورة أن يفرضوا إرادتهم السياسية على إدارة بايدن. الواقعية السياسية تحدد إلى درجة كبيرة توجهات الأكراد، لأنهم يعلمون من تجاربهم السابقة مع الإدارات الأمريكية المختلفة أن أمريكا لن تساعدهم إذا قامت مواجهات بينهم وبين تركيا أو إيران أو حتى العراق وسوريا.
فالبارزاني وقوات البيشمركة لن يستطيعا تأمين أربيل، لأنها محاصرة من قوات الحشد الشعبي الإيرانية من كركوك إلى الموصل وصولاً إلى سنجار، فهل يتلقى الرئيس بايدن تقارير تفيد بأن الأكراد وعناصرهم المسلحة هم قوة غير فعالة أمام محاولات واشنطن دعم انتشار القوات العراقية في كل أنحاء العراق، وإزاء تصاعد الهجمات المسلحة من المليشيات المدعومة من إيران على أهداف أمريكية وعراقية، هل لدى أجهزة المخابرات الأمريكية معلومات كافية عن “سرايا أولياء الدم” التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على مطار أربيل؟ ما هو تعريف إدارة بايدن لدور الحكومة العراقية في وقف الهجمات الإرهابية داخل حدود بلادها، وأيضا تجاه إقليم كردستان وأيضاً في علاقاتها مع سوريا؟ يبدو من المعطيات أن جو بايدن سيتريث في استعمال القوة العسكرية بصفة عامة وسيطالب كل الأطراف بضبط النفس. لكن مواقف إدارته قد تدعو إلى شكوك خطيرة حول مواقف الولايات المتحدة، خاصة لو كان هناك إصرار أمريكي في كل مرة تقع فيها هجمات مسلحة على إجراء تحقيق، لأن هذا قد يدفع البعض إلى اتهام بايدن شخصياً بتجاهل مشاكل العراق وبالتردد في الحسم المطلوب. من الواضح أن هناك ظاهرة وهي أن هناك جماعات إرهابية جديدة لم تكن معروفة في السابق هي الضالعة اليوم في الهجمات الإرهابية.
وكما هو الحال في العراق، كذلك الأمر بالنسبة لسوريا هو ليس أفضل وهي التي مثلت مشكلة لأوباما وتحدياً لترامب، وقد تكون بالتالي كارثة لبايدن، فهو ينظر إلى سوريا بنفس الطريقة التي شخّص بها الحالة العراقية في عام 2003، عندما دعا إلى إقامة ثلاث مناطق لكل واحدة حكم ذاتي، لذلك السياسة الاستراتيجية لسوريا بالنسبة لبايدن ستكون بإقامة عدة مناطق، ربما يصنفها وفق الآتي: منطقة تسيطر عليها “المعارضة” وثانية تكون تحت نفوذ الدولة السورية، أما الثالثة وهي مناطق الشمال السوري فهي حالياً تحت الاحتلال التركي.
حتى الآن لم يعلن الرئيس جو بايدن رسمياً أي سياسة أمريكية تتعلق بالإطار الزمني لبقاء القوات الأمريكية في كل من العراق وسوريا. والحل الأمثل للرئيس الأمريكي أن يضع جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وسوريا، متزامناً ذلك مع خطوات جادة لوقف النفوذ السياسي والعسكري الإيراني والتركي في تلك الدولتين. ربما ستكون عقيدة بايدن في السياسة الخارجية هي تجاهل المشاكل في الشرق الأوسط مع التردد في استخدام القوة العسكرية إزاء تحديات أمنية خطيرة، غير أن الموقف الأمريكي المتراخي والمتردد إزاء بؤر تسيطر عليها إيران وتركيا، لن يكون في مصلحة التفاوض الأمريكي بشأن الملف النووي الإيراني، ولا تحضيراً لمحاسبة تركيا على مجازرها في سوريا كما جاء في خطاب بايدن أثناء الانتخابات الأمريكية وبعدها ولا في مصلحة استقرار عالمنا العربي.