تركيا

دعم تركي لإيران في مفاوضات النووي يثير التوتر مع الغرب


أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال لقائه نظيره الإيراني مسعود بزشكيان على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في الصين، دعم أنقرة المتواصل لطهران في وجه الضغوط الغربية المتصاعدة، مشددًا على أهمية مواصلة إيران للمحادثات النووية باعتبارها مسارًا بنّاءً. ويأتي هذا الموقف التركي في ظل تصاعد التوترات حول البرنامج النووي الإيراني، وتلويح دول أوروبية بإعادة تفعيل آلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات الدولية.
وقالت الرئاسة التركية، في بيان رسمي، إن أردوغان شدد خلال المحادثات الثنائية على أن تركيا “ستواصل دعمها لإيران في هذا الملف”، في إشارة إلى المفاوضات النووية المتعثرة بين طهران والدول الغربية، وسط مساعٍ دبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن في 2018.
يأتي هذا الموقف التركي في وقت تتعرض فيه إيران لضغوط متزايدة من الدول الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي عبّرت في تقاريرها الأخيرة عن “قلق بالغ” من تسريع إيران لوتيرة تخصيب اليورانيوم وتقييدها لعمليات التفتيش الدولية.
ورغم الخلافات التاريخية بين أنقرة وطهران، فإن الجانبين يتقاطعان في رفض الضغوط الغربية الأحادية، ويجد كل منهما مصلحة استراتيجية في التنسيق، لا سيما مع انخراط تركيا بشكل أعمق في تحالفات أوراسية من خلال منظمة شنغهاي، التي تضم الصين وروسيا وإيران كأعضاء رئيسيين.
وأكد أردوغان أن التعاون الثنائي، وخصوصاً في مجال الطاقة، يحمل أهمية استراتيجية، مشيراً إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا تزال تحتفظ بزخمها، رغم التعقيدات السياسية الإقليمية.
لم يقتصر الاجتماع على الملف النووي، إذ ناقش الرئيسان جملة من القضايا الإقليمية التي تُعد محط اهتمام مشترك، في مقدمتها الوضع في سوريا، حيث تواجه كل من إيران وتركيا تحديات متزايدة نتيجة تشابك المصالح مع روسيا والولايات المتحدة، والنفوذ الإسرائيلي المتصاعد خاصة بعد انهيار حكم الرئيس السابق بشار الأسد وتراجع أجندات طهران على الساحة السورية.
ويواجه البلدان معضلة مزدوجة في سوريا: تركيا تسعى إلى تقليص التهديدات الأمنية من مناطق الشمال السوري حيث تنتشر قوات كردية تصفها بـ”الإرهابية”، بينما تسعى طهران لاستعادة نفوذ منهار مع تصاعد التغلغل الإسرائيلي في الجنوب السوري.
وفي هذا السياق، يبدو أن التنسيق الإيراني التركي بات ضرورة أكثر منه خياراً، خصوصاً في ظل تمدد الضربات الإسرائيلية التي أضعفت نفوذ طهران في سوريا ولبنان واليمن، حيث استهدفت تل أبيب مراكز تابعة لحزب الله والحوثيين وفصائل مدعومة من الحرس الثوري، مما تسبب في تقليص تأثير إيران في ساحات إقليمية كانت توصف سابقًا بأنها أوراق ضغط بيدها.
إلى جانب الملف السوري، تطرقت المحادثات إلى التطورات في غزة، حيث يشترك البلدان في انتقاد الهجوم الإسرائيلي المستمر، إلا أن نظرتيهما إلى القضية الفلسطينية تختلف من حيث الأهداف، مع احتفاظ كل طرف بعلاقات إقليمية مع قوى متباينة.
ويُشار إلى أن كلاً من إيران وتركيا عبّرتا مرارًا عن قلقهما من التمدد الإسرائيلي في المنطقة، ليس فقط عبر الضربات العسكرية، بل من خلال اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية، والتي ترى فيها طهران وأنقرة تهديدًا لوزن القوى التقليدية في الإقليم.
كما ناقش الرئيسان تطورات الأوضاع في جنوب القوقاز، خاصة بعد تصاعد التوتر بين أذربيجان وأرمينيا، وهي ساحة تشهد تداخلاً حساسًا في المصالح بين أنقرة الحليفة الوثيقة لباكو، وطهران التي تحرص على حفظ التوازن الإقليمي عند حدودها الشمالية.
ورغم التباينات، يبدو أن البلدين حريصان على تفادي أي تصعيد قد يؤثر سلباً على مصالحهما الاستراتيجية، خصوصًا في ظل الانشغال العالمي بملفات أوكرانيا وتايوان والشرق الأوسط.
وفي ظل واقع إقليمي شديد التقلب، تتلاقى طهران وأنقرة عند نقطة مفصلية؛ كلاهما يواجه ضغوطاً، ويخسر أوراق نفوذ، ويبحث عن تحالفات مرنة تحفظ له مساحة من التأثير.
وبينما تسعى إيران إلى فك عزلتها بدعم من قوى صاعدة مثل تركيا، تُراهن أنقرة على التموقع كوسيط إقليمي قادر على التعامل مع كل الأطراف، من موسكو إلى طهران، ومن واشنطن إلى بكين.
وعليه، فإن دعم أردوغان للملف النووي الإيراني لا يعكس مجرد مجاملة دبلوماسية، بل يعبر عن توازن مصالح معقّد، وتحالف ظرفي بين قوتين تخشيان معًا من تحول المنطقة إلى ساحة صراع أكبر تُدار من خارجها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى