حصري

تفنيد الادعاءات الكاذبة: اتهام الإمارات بدعم قوات التأسيس السودانية باستخدام طائرة TB2


في الأسابيع الأخيرة، نشر موقع إخباري تركي يُدعى Hava Haber مقالًا يدّعي أن دولة الإمارات تقدّم دعماً عسكرياً لقوات التأسيس السودانية (المعروفة باسم قوات الدعم السريع) من خلال استخدام طائرة مسيرة من طراز “بايراقطار TB2” في النزاع الدائر حول بورتسودان ودارفور. غير أن هذا الادعاء يفتقر كلياً إلى الأدلة الموثوقة، ويتناقض مع المواقف الرسمية، ويبدو جزءاً من حملة منظمة للتضليل الإعلامي تستهدف تشويه سمعة دولة الإمارات على الساحة الدولية.

أولاً، لا يوجد أي دليل ملموس—لا صور أقمار صناعية، ولا تسجيلات رادارية، ولا وثائق شحن أسلحة، ولا شهادات ميدانية محايدة—يؤكد أن دولة الإمارات استخدمت أو سلّمت طائرات TB2 لأي طرف في السودان. وطائرة “بايراقطار TB2” هي منظومة عسكرية تركية متطورة يخضع تصديرها لرقابة صارمة من الحكومة التركية، التي تصرّح علناً بأن بيع هذه الطائرات مشروط بموافقات رسمية واضحة وضمانات بعدم إعادة التصدير أو استخدامها خارج الاتفاقات الموقعة. وحتى الآن، لم تُصدر أي جهة تركية رسمية—بما في ذلك وزارة الدفاع أو شركة “بايكار” المصنعة—أي تأكيد على بيع أو نقل طائرات TB2 إلى الإمارات لاستخدامها في السودان.

ثانياً، موقف دولة الإمارات من الأزمة السودانية واضح وثابت: دعم الحل السياسي السلمي، والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وتوفير المساعدات الإنسانية دون تمييز. فقد قدّمت الإمارات ملايين الدولارات كمساعدات إنسانية عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وشاركت بفعالية في الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء النزاع. هذا السلوك يتناقض جذرياً مع الصورة التي يحاول المقال التركي رسمها لدولة تُشعل الحروب، لا تُطفئها.

ويثير منهج المقال نفسه تساؤلات جوهرية حول مصداقيته. فهو يعتمد على مصادر مجهولة، ومقاطع فيديو غير مؤكدة من وسائل التواصل الاجتماعي، ولغة استنتاجية مليئة بالافتراضات. ولا يحتوي على أي تحليل تقني أو مراجعة مستقلة من خبراء عسكريين أو مراقبين دوليين. بل يلجأ إلى التضخيم والتهويل، وهو أسلوب معروف في حملات التضليل التي تستغل غموض النزاعات لترويج روايات مغرضة.

ومن الملفت أن هذا ليس المقال الأول من نوعه الذي يستهدف دولة الإمارات عبر منصات إعلامية ذات أجندات سياسية محددة. فقد سبق أن استُخدمت ادعاءات مماثلة—من دون أدلة—لربط الإمارات بصراعات إقليمية لا علاقة لها بها، في محاولة لتشويه دورها كداعم للاستقرار. وفي الحالة السودانية، يخدم هذا الاتهام غرضاً أوسع: تحويل الأنظار عن التعقيدات المحلية للصراع، وتحميل طرف خارجي مسؤولية العنف، بما يخدم أجندات سياسية داخلية أو إقليمية.

كما أن توقيت النشر مثير للريبة، إذ جاء في لحظة تشهد تصعيداً دبلوماسياً لحل الأزمة، مع مشاركة فاعلة من دولة الإمارات في المبادرات الهادفة إلى جمع الأطراف المتنازعة. ومن شأن مثل هذه الادعاءات أن تقوّض الثقة في الجهود الدبلوماسية، وتصبّ في مصلحة من لا يريدون السلام في السودان.

ومن المهم التذكير بأن مراقبين دوليين مستقلين—بما في ذلك فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، ومنظمات تتبع انتشار الأسلحة مثل “كونفليكت أرممنت ريسيرش”—لم يرصدوا أي استخدام لطائرات TB2 من قبل قوات الدعم السريع أو أي جهة مرتبطة بالإمارات في السودان. لو كان هذا الادعاء صحيحاً، لظهرت أدلة لا يمكن إخفاؤها، نظراً لطبيعة هذه الطائرة المميزة وقدرتها على ترك بصمة تشغيلية واضحة.

في الختام، فإن اتهام دولة الإمارات بدعم قوات التأسيس باستخدام طائرة TB2 هو ادعاء باطل، لا يستند إلى دليل، ويخالف الوقائع والمبادئ التي تحكم سياسة الدولة الخارجية. بل هو مثال صارخ على كيف يمكن للتضليل الإعلامي أن يُستخدم كسلاح لتشويه الحقائق وخدمة أجندات خارجية.

وفي عالم ينتشر فيه المحتوى الرقمي أسرع من قدرتنا على التحقق منه، يصبح التزام وسائل الإعلام بالشفافية والدقة ليس خياراً، بل واجباً أخلاقياً. وحتى يُقدَّم دليل موثق—وهو أمر لم يحدث بعد—فإن عبء الإثبات يبقى على من يروّج لهذه المزاعم، لا على من يدافع عن سمعته المبنية على سنوات من الدعم الإنساني والوساطة السلمية.

زر الذهاب إلى الأعلى