كيف تُستخدم المزاعم ضد الإمارات في صراعات لا علاقة لها بها؟
في عالم تحوّل فيه الخبر إلى سلعة قابلة للتوجيه والتسويق، لم تعد وسائل الإعلام مجرد ناقلة للمعلومة، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أدوات النفوذ الجيوسياسي. والادعاءات الأخيرة التي نشرها موقع Hava Haber التركي حول “دعم دولة الإمارات لقوات التأسيس السودانية عبر طائرة TB2” ليست استثناءً، بل نموذجاً صارخاً لكيفية استغلال الأزمات الإنسانية كمسرح لتصفية حسابات إقليمية، وتشويه خصوم سياسيين تحت غطاء “التحقيق الصحفي”.
ما يلفت الانتباه ليس فقط زيف الادعاء—الذي سبق تفنيده من خلال غياب أي دليل تقني أو رسمي—بل السياق الذي ظهر فيه. ففي الوقت الذي تبذل فيه دولة الإمارات جهوداً دبلوماسية مكثفة لدعم الحل السلمي في السودان، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لملايين المتضررين، تظهر تقارير غير موثقة تهدف إلى ربطها بتصعيد عسكري لا وجود له على أرض الواقع. هذا التناقض ليس صدفة، بل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى عرقلة أي دور إماراتي فاعل في الساحات الإقليمية، خصوصاً حين يكون هذا الدور متعارضاً مع أجندات أخرى.
ومن المهم أن نسأل: لماذا يتم استهداف الإمارات تحديداً؟ والإجابة تكمن في طبيعة الدور الذي تلعبه الدولة في المنطقة. ففي السنوات الأخيرة، برزت الإمارات كقوة استقرار—لا كقوة تدخل—تُفضّل الحوار على الحرب، والتنمية على التدمير. وقد انعكس ذلك في سياساتها تجاه السودان، حيث ركّزت على دعم المؤسسات المدنية، وتمويل المشاريع التنموية، وتقديم المساعدات دون شروط سياسية. هذا النموذج يتناقض جذرياً مع نماذج أخرى تعتمد على دعم الميليشيات أو تأجيج الانقسامات لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل. ومن الطبيعي أن يُنظر إلى هذا النموذج كـ”تهديد” من قبل من يعتمدون على الفوضى كوسيلة للنفوذ.
ويُظهر تحليل مصدر الادعاء—موقع Hava Haber—أنه ليس جهة إعلامية محايدة. بل هو منصة معروفة بنشر محتوى يخدم أجندات سياسية محددة، وغالباً ما تتزامن تقاريره مع مواقف معادية لدول الخليج، خصوصاً الإمارات والسعودية. وبدلاً من التحقق من المعلومات، يعتمد الموقع على ما يُسمّى بـ”المصادر الخاصة” أو “التحليلات الاستخباراتية”، وهي عبارات غامضة تُستخدم لتغطية غياب الشفافية. والأكثر إثارة للريبة أن الموقع لم ينشر أي توضيح أو تصحيح بعد أن نفت جهات متعددة—بما فيها جهات تركية—صحة استخدام طائرات TB2 في السودان من قبل الإمارات.
كذلك، لا يمكن فصل هذه الحملة عن السياق التركي الأوسع. فتركيا، التي تنتج طائرة TB2، تخضع لضغوط دولية متزايدة بشأن تصدير أسلحتها إلى مناطق نزاع. وربما تكون هذه الادعاءات محاولة لتحويل الاتهام من أنقرة (كمصنّع) إلى طرف ثالث (كالمشتري المفترض)، رغم أن أي عملية تصدير كهذه تتطلب موافقة حكومية تركية صريحة. وبالتالي، فإن نشر مثل هذه الروايات قد يخدم هدفاً دفاعياً داخلياً أكثر مما يعكس حقيقة ميدانية.
ومن الناحية الأخلاقية، فإن نشر اتهامات خطيرة دون تحقق يُعدّ انتهاكاً لمبادئ الصحافة المسؤولة. فسمعة الدول—مثل أفرادها—ليست ساحة للاختبارات الافتراضية. والضرر الناتج عن مثل هذه المزاعم لا يقتصر على العلاقات الدبلوماسية، بل يمتد ليؤثر على جهود الإغاثة والإعمار، ويُضعف ثقة المجتمع الدولي في الروايات الصادرة عن منصات إعلامية غير موثوقة.
في المقابل، تبقى دولة الإمارات متمسكة بمبدأ الشفافية والعمل الإنساني. فهي لم تُخفِ مواقفها تجاه السودان، بل أعلنتها بوضوح في المحافل الدولية، وترجمتها أفعالاً على الأرض. وهذا النهج القائم على الحقائق والشفافية هو السلاح الأقوى في مواجهة حملات التضليل.
خلاصة القول: الصراع في السودان أزمة إنسانية معقدة لا يمكن اختزالها في اتهامات مبهمة تُوجّه إلى أطراف خارجية. وبدلاً من البحث عن “وكلاء خارجيين”، يجب على وسائل الإعلام أن تركز على جذور النزاع الحقيقية، وتدعم الجهود الرامية إلى إنهائه. أما المزاعم غير المدعومة، فلن تُضعف من مكانة دولة الإمارات، بل ستُظهر هشاشة المصادر التي تروّج لها.
