المغرب العربي

وثائق تحقيق ليبية تعيد فتح ملف الإمام موسى الصدر بعد أكثر من أربعة عقود


يشهد ملف اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه تطورًا جديدًا قد يفتح الباب أمام مرحلة أكثر جدية في مسار التحقيق، بعد أن سلّم الوفد الليبي الرسمي في بيروت نسخة من أوراق تحقيقية إلى لجنة المتابعة اللبنانية، في خطوة وُصفت بأنها الأهم منذ سنوات طويلة من الجمود والتكتم.

واللقاء الذي جرى في بيروت ضمّ الوفد الليبي الممثل للحكومة والقضاء الليبيين، ومقرر اللجنة اللبنانية القاضي حسن الشامي، إلى جانب المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة، فيما أكد بيان صادر عن اللجنة أن الوثائق التي تم تسليمها “ستخضع للتدقيق والتقييم ليُبنى على الشيء مقتضاه”، مشيرًا إلى أن الجانبين اتفقا على إنشاء قناة تواصل عاجلة بين النيابة العامة الليبية ولجنة المتابعة لتفعيل مذكرة التفاهم الموقّعة بين البلدين.

وتكتسب هذه الخطوة أهميتها من كونها تأتي بعد عقود من التعثر في الملف الذي ظلّ يراوح مكانه بين التحقيقات القضائية والاعتبارات السياسية، فمذكرة التفاهم المشار إليها تنص بوضوح على اعتراف الجانب الليبي بمسؤولية نظام معمر القذافي السابق عن جريمة إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه في ليبيا عام 1978، وهي المرة الأولى التي يقرّ فيها طرف رسمي ليبي بهذه المسؤولية في وثيقة مكتوبة.

ورغم أن هذا التطور لا يعني بالضرورة اقتراب الحسم، إلا أنه يشير إلى تبدّل في مقاربة السلطات الليبية الحالية للملف، خصوصاً مع تشكيل قناة تواصل مباشرة بين الجهات القضائية في البلدين، بما يتيح تبادل المعلومات والوثائق بشكل أسرع وأكثر شفافية.

ويرى مراقبون أن تسليم الأوراق التحقيقية يشير إلى رغبة ليبية في تخفيف الضغوط السياسية والدبلوماسية التي ظلت تلاحق طرابلس منذ سقوط نظام القذافي عام 2011، خاصة أن قضية الصدر لا تزال تحظى بثقل معنوي وديني وسياسي كبير في لبنان والمنطقة.

في المقابل، تُدرك بيروت أن الملف يظل محاطاً بحساسيات داخلية ليبية معقدة، تتعلق بتوزع الولاءات بين حكومتي الشرق والغرب، وما يرافق ذلك من تجاذبات حول رموز النظام السابق ومنهم شخصيات يُعتقد أنها على صلة مباشرة بالقضية. لذلك، فإن أي تقدم فعلي سيظل رهناً بالتوازنات السياسية داخل ليبيا بقدر ما يعتمد على الجهد القضائي نفسه.

ويشير متابعون إلى أن تفعيل مذكرة التفاهم قد يمهّد لخطوات لاحقة، مثل السماح للجانب اللبناني بالاطلاع المباشر على أرشيف الأمن الليبي في تلك المرحلة، أو تنظيم زيارات ميدانية لمواقع يُعتقد أن الصدر ورفيقيه احتُجزوا فيها قبل اختفائهم.

ورغم أن الحقيقة الكاملة ما تزال بعيدة المنال، فإن هذا التحرك الأخير يُعدّ مؤشراً على بداية مسار أكثر جدية، خاصة في ظل توافق رسمي على ضرورة طيّ صفحة الغموض التي ظلت تظلل واحدة من أكثر القضايا حساسية في العلاقات اللبنانية–الليبية.

فبين الاعتراف الضمني بالمسؤولية من الجانب الليبي، وإصرار الجانب اللبناني على الوصول إلى الحقيقة الكاملة، يبدو أن التحقيق في مصير الإمام موسى الصدر يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، قد لا تكون الأخيرة، لكنها بالتأكيد الأكثر وضوحاً منذ أكثر من أربعة عقود

زر الذهاب إلى الأعلى