الشرق الأوسط

نيجيرفان بارزاني يقدم مبادرة سياسية لتثبيت الاستقرار ووحدة العراق


قدم رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، تشخيصاً دقيقاً للوضع العراقي مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، تضمن رسائل للحكومة الاتحادية وأخرى للداخل الكردي، في قراءة تشير بوضوح إلى التعاطي مع كل الملفات المفتوحة والعالقة بإيجابية تعكس واقعية سياسية واستمراراً لتوجه القيادة الكردية لإيجاد حلول بدلاً من حالة التعطيل والجمود التي طبعت سلوكاً سياسياً في المركز بدوافع مصالح وحسابات حزبية ضيقة.

وحملت تصريحات بارزاني التي جاءت في مقابلة مطوّلة مع قناة “رووداو” الكردية، مزيجاً من التقدير العقلاني للواقع والتحذير من المخاطر الكامنة في استمرار تأجيل معالجة الخلافات بين أربيل وبغداد. وقد أكد بوضوح أن “تأجيل حل المشاكل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم سيجلب الصداع لجميع العراق”، في عبارة تعكس إدراكاً عميقاً لتشابك الأزمات العراقية وضرورة تحويل الخلافات المزمنة إلى مساحات تفاهم دائم.

ورأى أن الانتخابات المقبلة تمثل لحظة فاصلة في مسار الدولة العراقية، إذ يمكن أن تكون مدخلاً لتصحيح الخلل في العلاقة بين المكونات إذا ما استُثمرت بروح الشراكة لا بمنطق التعطيل والحسابات الضيقة. وقال إن الظروف الحالية “أفضل بكثير من تلك التي كتب فيها الدستور عام 2003″، مشيراً إلى أن العراق اليوم يمتلك فرصة لبناء تفاهمات ناضجة تستند إلى الدستور لا إلى التوازنات الوقتية.

وبهذا الخطاب، يقدم الإقليم نفسه شريكاً في الحل لا طرفاً في الأزمة، مستنداً إلى تجربة طويلة في إدارة الملفات الصعبة بأسلوب الحوار والتفاهم، لا بالقطيعة أو الصدام.

وأوضح رئيس الإقليم أن استقرار كردستان ليس مطلباً محلياً بقدر ما هو ضرورة وطنية، مؤكداً أن “استقرار الإقليم ووحدته السياسية أولوية لا يمكن التنازل عنها”.

وتستند هذه الرؤية إلى قناعة متجذرة في القيادة الكردية بأن العراق لا يمكن أن يستعيد عافيته السياسية والاقتصادية دون أن يكون الإقليم جزءاً فاعلاً ومتماسكاً من بنيته الاتحادية. فالإقليم، بتجربته الإدارية ونظامه الاقتصادي المنفتح، مثّل على الدوام منطقة توازن واستقرار، وملاذاً سياسياً وسط عواصف الانقسامات التي عصفت ببغداد خلال العقدين الماضيين.

 استقرار كردستان ليس مطلباً محلياً بقدر ما هو ضرورة وطنية.. استقرار الإقليم ووحدته السياسية أولوية لا يمكن التنازل عنها

وبقدر ما يتمسك بارزاني بحقوق الإقليم الدستورية، فإنه يدعو إلى “حلول واقعية ودائمة” مع الحكومة الاتحادية، تُعيد الثقة وتؤسس لشراكة حقيقية في إدارة الثروة والسلطة.

ومن أبرز ما ميز خطاب بارزاني الأخير هو اتزانه وابتعاده عن الخطاب الانفعالي، فحين قال إن “بغداد هي العمق الاستراتيجي لكردستان”، كان يكرّس نهجاً يقوم على الواقعية والانفتاح، لا على القطيعة أو التنافر.

وهذه المقاربة تعبّر عن نضج في الرؤية الكردية التي لم تعد ترى في المركز خصماً، بل شريكاً يتعين التعاون معه لإعادة بناء الدولة على أسس عادلة ومتوازنة. وهي أيضاً دعوة ضمنية لبغداد كي تتعامل مع الإقليم ككيان مؤسسي مسؤول، لا كملف سياسي قابل للتأجيل أو المساومة.

داخلياً، حملت تصريحات بارزاني بعداً توفيقياً مهماً، إذ أكد أن الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، رغم وجودها، “لن تصل إلى مرحلة الانسداد”، مشدداً على أن الحوار هو الطريق الوحيد للحفاظ على وحدة الموقف الكردي.

وبهذا الموقف، يجدد بارزاني التزام القيادة الكردية بنهج الوحدة السياسية الداخلية، باعتبارها الضمانة الأساسية لتعزيز قدرة الإقليم على الدفاع عن مصالحه الدستورية ضمن العراق الاتحادي.

كما دعا جميع القوى الكردية إلى “توحيد الخطاب السياسي في بغداد”، محذراً من أن التشرذم أو تضارب المواقف “سيقود إلى خسارة الجميع”.

أما بشأن الانفتاح الإقليمي، فقد أوضح بارزاني أن إعادة فتح المجال الجوي التركي أمام مطار السليمانية جاءت بعد حوار مباشر مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ودون أي صفقات أو تنازلات سياسية. وهذا الموقف يعكس قدرة الإقليم على إدارة علاقاته الإقليمية بمرونة واحتراف، دون التفريط باستقلال قراره الداخلي أو بموقعه ضمن الدولة العراقية. وهو ما يبرز دور القيادة الكردية في تحويل الجغرافيا الصعبة إلى فرصة للتواصل وبناء الجسور.

وفي محصلة المشهد، قدّم نيجيرفان بارزاني من خلال تصريحاته رؤية متوازنة تستند إلى مفهوم الشراكة الفعلية لا الشكلية، وتؤكد أن الإقليم لا يطلب أكثر من احترام الدستور وتنفيذ بنوده بعدالة.

ويذكّر هذا الخطاب بغداد بأن استقرار كردستان هو استقرار للعراق، وأن أي تأجيل أو تعطيل للحلول سيظل صداعاً مزمناً لجميع الأطراف.

وفي الوقت نفسه، يرسخ بارزاني صورة القيادة الكردية كفاعل وطني مسؤول يسعى لتثبيت الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق، عبر مزيج من الواقعية والانفتاح والحكمة التي أثبتت أنها قادرة على تحويل الخلافات إلى فرص للتفاهم والبناء المشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى