أمريكا

هل تتراجع مكانة إسرائيل؟ مخاوف من صعود السعودية كشريك رئيسي للولايات المتحدة


 أثارت موافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على بيع مقاتلات إف – 35 للسعودية، بالإضافة إلى حزمة دفاعية ضخمة أخرى تشمل نحو 300 دبابة، مخاوف إسرائيل من فقدان تفوقها الجوي بالشرق الأوسط، ولا تقف هذه الهواجس عند هذا الحد بل تمتد لتلامس المكانة الجيوسياسية للدولة العبرية لدى واشنطن، مع تنامي القلق من الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين الولايات المتحدة والمملكة على حساب الدور الإسرائيلي المركزي.

ولطالما اعتُبرت إسرائيل الحليف الاستراتيجي الأوحد والأكثر موثوقية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ما يدفعها إلى التخوف من أن يؤدي تعزيز السعودية بهذا القدر من التكنولوجيا المتقدمة إلى ترسيخ مكانتها لدى واشنطن، مما قد يُضعف من حاجة الأخيرة للاعتماد الكلي على الدولة العبرية في الملفات الإقليمية.

وتخشى تل أبيب من أن الإدارة الأميركية، رغبة منها في مواجهة النفوذ الإيراني والحفاظ على استقرار أسواق النفط، قد تختار تحالفاً إقليمياً واسعاً يضم الرياض كشريك رئيسي، حتى لو كان ذلك على حساب متطلبات التفوق النوعي الإسرائيلي.

والأربعاء، قال البيت الأبيض في بيان، إن الرئيس دونالد ترامب وافق على حزمة مبيعات دفاعية ضخمة للسعودية، تشمل تسليمات مستقبلية لطائرات إف 35. وأضاف “وضمن الرئيس اتفاقية مع السعودية لشراء نحو 300 دبابة أميركية، ما يمكن المملكة من بناء قدراتها الدفاعية الخاصة، ويحمي مئات الوظائف الأميركية” وذلك خلال زيارة يجريها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، بدأت الثلاثاء وتستمر 3 أيام.

ومنذ إعلان ترامب، لا تتوقف الأسئلة في إسرائيل عن مصير تفوق تل أبيب الجوي في الشرق الأوسط. وقد أثبتت الحروب الإسرائيلية خلال العامين الماضيين على غزة ولبنان وإيران واليمن، اعتماد تل أبيب على تفوقها الجوي، لا سيما مقاتلات إف – 35.

السعودية شريك لواشنطن

تعليقا على ذلك، قال الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، يوئيل غوزانسكي، وإلداد شافيت، إن “الاستقبال الملكي للأمير محمد بن سلمان في واشنطن يؤكد رسالة مفادها أن السعودية شريك استراتيجي للولايات المتحدة، بمكانة تُضاهي مكانة إسرائيل”.

وأضاف المحللان في ورقة تحليلية “تضمنت الزيارة توقيع سلسلة من التفاهمات والاتفاقيات ذات التداعيات الاستراتيجية المهمة على الساحة الإقليمية”، وفق الأناضول.

كما تتضمن الاتفاقيات “التزام ترامب ببيع طائرات إف 35 للسعودية، بالإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، والمعادن الحيوية، والتقنيات المتقدمة، والأمن”. وأثار ذلك وفق المحللين، “تساؤلات جوهرية لدى إسرائيل، نظرا لدخول السعودية المجال النووي”.

وأضافا أن “تعميق التعاون بين الرياض وواشنطن في مجالات الذكاء الاصطناعي والمعادن الحيوية يُعزز موقف الولايات المتحدة في مواجهة الصين، وهذه مصلحة إسرائيلية واضحة”.

ويعتقد المحللان أن “الحفاظ على النفوذ الغربي في الشرق الأوسط يُسهم في استقرار المنطقة، ويُقلّل من خطر إساءة استخدام القدرات المتقدمة”.

كما تمثل الاتفاقيات بالنسبة لإسرائيل “فرصة ومخاطرة في آن واحد: فقد يُؤدي تعزيز التعاون الأمني الأميركي السعودي إلى حوار إقليمي جديد، بل ويدعم عمليات التطبيع المستقبلية، على الرغم من أن ولي العهد لا يزال يربط هذا بالتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية”.

وفي الوقت نفسه، “يتطلب توريد أنظمة أسلحة متطورة إلى المملكة، وفي مقدمتها طائرات إف 35، إعادة تقييم لآليات الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وفهمًا لمدى ارتباط تنفيذ هذه الصفقات بتعزيز التطبيع بين البلدين”.

وخلصت ورقة تحليلية إلى أن “الزيارة تجسد توجها نحو التقارب الاستراتيجي الهادف إلى تعزيز الجبهة المؤيدة للغرب، وتعميق المشاركة الأميركية في المنطقة”.

أما بالنسبة لإسرائيل، “يُعدّ هذا تطورًا يُغيّر قواعد اللعبة، وقد يُعزز الاستقرار الإقليمي، ولكنه يتطلب أيضًا مراقبة دقيقة لتوازن القوى، وعملية التعاون النووي الناشئة، وتداعيات مبيعات الأسلحة على البيئة الاستراتيجية”.

التطبيع مع إسرائيل

وفي السياق، قال المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” العبرية (ليبرالية) عاموس هارئيل، في مقال الأربعاء “أوضح الرئيس الأميركي أنه لا يرى أي مشكلة في بيع طائرات إف 35 إلى السعودية. علنًا”.

ورأى هارئيل أن ترامب “لم يرهن عملية الشراء الكبيرة المخطط لها بتطبيع مستقبلي للعلاقات الإسرائيلية السعودية، مع أنه لا يمكن استبعاد أي شيء عنه”.

ووفق المحلل، “صرّح الرئيس الأميركي بما بدا واضحًا له: السعوديون حلفاء عظماء، ولهذا السبب هو مستعد لبيعهم طائرات إف 35، وفي الوقت الحالي على الأقل لم يُشر إلى طموحه للتوصل إلى اتفاق تطبيع”.

وفيما يتعلق بمخاوف إسرائيل من فقدان تفوقها الجوي، قال هارئيل إنها “سابقة لأوانها بعض الشيء، وقبل خمسة أشهر فقط، أثبتت تل أبيب تفوقها الكامل عندما ضربت طائراتها الأراضي الإيرانية دون أي إزعاج، طلعة تلو الأخرى، لمدة 12 يوما”.

وربط الغارات الإسرائيلية على إيران بـ”طائرات إف 35 التي حصلت عليها من الولايات المتحدة، فقدرات سلاح الجو الإسرائيلي لا مثيل لها في الشرق الأوسط اليوم”.

وفي 13 يونيو/حزيران الماضي، شنت إسرائيل بدعم أميركي ضربات على إيران استمرت 12 يوما، شملت مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، وردت طهران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، ثم أعلنت واشنطن في 24 من الشهر ذاته وقفا لإطلاق النار بين تل أبيب وطهران.

واعتبر هارئيل أن “ما تحتاجه إسرائيل هو التزام قانوني للحكومات الأميركية بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لتل أبيب”. ومثالا على ذلك، قال “حصلت الدولة العبرية على أسلحة دقيقة كتعويض عن تسليم الأسلحة الأميركية إلى دول تُعرف بأنها أعداء مباشرون لها (لم يسمها)”.

اتفاقية حساسة

أما المحلل في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية (يمين وسط) يوسي يهوشع، فاعتبر الاتفاقية “أحد أكثر القرارات الاستراتيجية حساسية في الشرق الأوسط”.

وأضاف في مقال تحليلي “ستمنح هذه الصفقة الرياض إمكانية الحصول على طائرة لا تعمل فقط كمنصة هجومية، بل أيضًا كنظام يدمج الاستخبارات والقيادة وبيانات ساحة المعركة الآنية عبر الجو والبر والبحر”.

المخاوف الإسرائيلية سببها، وفق يهوشع أن تل أبيب حتى الآن “الدولة الوحيدة في المنطقة التي تُشغّل هذه الطائرة، وهي تُسيّر نسخة مُعدّلة منها مزودة بأجهزة استشعار، وأنظمة حرب إلكترونية، وقدرات معالجة من تطوير إسرائيلي”.

وشدد على أن “هذه الحصرية ركيزة أساسية لموقف إسرائيل، وبالتالي فإن السماح لدولة أخرى، وخاصة دولة لا تربطها علاقات رسمية بإسرائيل، بالحصول على هذه الطائرة، سيُضعف هذه الميزة الاستراتيجية فورا”.

مقابل ذلك، قال المحلل إن إسرائيل يتعين عليها الحصول على “حزمة واضحة وملزمة، قد تشمل تطبيعا دبلوماسيا كاملًا مع السعودية، وترتيبًا دفاعيا مشتركا”.

ومرارا أكدت الرياض أنها لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل قبل إقامة الدولة الفلسطينية التي تعترف بها 160 دولة عضو بالأمم المتحدة من أصل 193.

زر الذهاب إلى الأعلى