العليمي في الرياض لاحتواء التوتر وتفادي التصعيد في حضرموت
بدأ رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، الجمعة، زيارة إلى الرياض يُنتظر أن يلتقي خلالها عدداً من كبار المسؤولين السعوديين، في إطار جهود عاجلة لاحتواء التوتر المتصاعد بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بعد التطورات الدراماتيكية في محافظة حضرموت.
وتأتي الزيارة فيما نجحت وساطة محلية برعاية سعودية في الوصول إلى اتفاق تهدئة أولي مع “حلف قبائل حضرموت” الذي سيطر مؤخراً على منشآت نفطية، وفق ما نقلته وكالة “سبأ” الرسمية.
وأكد العليمي، قبيل مغادرته، أن الدولة “وحدها مسؤولة عن حماية مؤسساتها وصون مصالح المواطنين”، رافضاً أي خطوات أحادية تضعف سلطة الحكومة أو تهدد الاستقرار. كما شدد على التزام مجلس القيادة بنهج الشراكة الوطنية وتنفيذ اتفاق الرياض، مع إبقاء معركة استعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين في مقدمة الأولويات.
وينص الاتفاق الذي رعته السعودية على وقف فوري للتصعيد العسكري والأمني والإعلامي، وإتاحة المجال للجنة الوساطة لاستكمال تفاهمات شاملة، فيما جدّد العليمي دعمه للسلطات المحلية والوجاهات القبلية في حضرموت التي لعبت دوراً حاسماً في احتواء الأزمة.
محاولة لردم الفجوة بين الحلفاء الجنوبيين
وتأتي زيارة العليمي للرياض في توقيت بالغ الحساسية، فالتوتر بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي وصل ذروة جديدة عقب التحركات الميدانية في حضرموت، ما أعاد إلى الواجهة هشاشة الترتيبات التي أُسست بموجب اتفاق الرياض والهيكل المشترك لمجلس القيادة الرئاسي.
وتَعتبر الرياض التطورات الأخيرة تهديداً مباشراً لخطتها الأشمل في الجنوب، التي تقوم على إدارة توازن دقيق بين مكونات متنافسة لكنها تشكل في النهاية جزءاً من “التحالف المناهض للحوثيين”. ويمثل انزلاق حضرموت – بثقلها الجغرافي والاقتصادي وبنيتها الاجتماعية المتماسكة – إلى صراع مفتوح ضرباً لمعادلة الاستقرار التي تعمل المملكة على تثبيتها منذ سنوات.
ومن هنا، تبدو زيارة العليمي أقرب إلى محاولة لإعادة ضبط بوصلة التحالفات داخل الجنوب، وتذكير الأطراف بأن الانقسام الداخلي يمنح الحوثيين فرصة ذهبية لتعزيز موقفهم في أي مفاوضات سياسية مقبلة. فالرياض تدرك أن نجاح أي تسوية مستقبلية يتطلب وحدة الصف المناهض للحوثيين، خصوصاً في المحافظات الثرية بالموارد والتي تمثل رئة الاقتصاد اليمني.
حضرموت مركز الثقل: بين مطالب الحكم الذاتي وصراع النفوذ
ورغم أن “حلف قبائل حضرموت” لا يتبع رسمياً المجلس الانتقالي ولا الحكومة، فإن تحركاته جاءت كرد فعل على الانتشار المتزايد لقوات الانتقالي في مواقع استراتيجية، بما فيها المكلا ومحيط المنشآت النفطية. وهذا يفسر حساسية الموقف، إذ يتقاطع فيه البعد القبلي مع التنافس السياسي والعسكري بين مكونات الجنوب.
وتتوزع السيطرة في حضرموت بين قوات “النخبة الحضرمية” الموالية للانتقالي في الساحل، وألوية حكومية تنتشر في الوادي والصحراء، ما يجعل المحافظة ساحة تماس معقّدة تحتاج إلى ترتيبات دقيقة لتجنب الانفجار. ولهذا تتعامل السعودية بحذر شديد، فهي ترى في حضرموت “ركيزة الاستقرار” لأي ترتيب سياسي أو اقتصادي مستقبلي في اليمن.
رسائل العليمي: وحدة القرار السيادي وتماسك الجبهة الداخلية
تصريحات العليمي خلال الأيام الأخيرة حملت رسائل واضحة من بينها رفض أي إجراءات أحادية تفرض وقائع جديدة على الأرض، التشديد على وحدة القرار السيادي تحت مظلة الشرعية، التأكيد على الشراكة الوطنية كمسار لا بديل عنه ودعم الوساطات القبلية بما يضمن خفض التوتر وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها.
هذه الرسائل لا تستهدف حضرموت وحدها، بل تمتد إلى المجلس الانتقالي وإلى المكونات الحكومية أيضاً. فالعليمي يذكّر الجميع بأن المرحلة الانتقالية محكومة بمرجعيات متفق عليها، وأن تجاوزها يهدد بنسف المنجزات العسكرية والسياسية التي تحققت في السنوات الأخيرة.
البعد الإنساني: مبادرة حكومية جديدة لإثبات حسن النية
وفي سياق موازٍ، أعلنت الحكومة اليمنية تسليم 26 جثماناً لعناصر الحوثيين في مأرب والجوف، في خطوة قالت إنها “مبادرة من طرف واحد” تهدف إلى تعزيز الثقة قبل جولة مفاوضات جديدة حول ملف الأسرى. وتأتي هذه الخطوة امتداداً لجهود امتدت منذ اتفاق ستوكهولم 2018، مروراً بصفقة التبادل الكبرى عام 2023، وصولاً إلى الإفراج الأحادي الحوثي عن 153 شخصاً مطلع 2025.
هذه المبادرة تُقرأ كجزء من محاولات الحكومة لإظهار مسؤوليتها الإنسانية والسياسية أمام المجتمع الدولي، وتأكيد استعدادها لتقديم خطوات عملية في الملفات العالقة، بما في ذلك ملف الأسرى الذي يشكل أحد رموز الأزمة اليمنية الممتدة لعقد من الزمن.
زيارة مفصلية لرسم خطوط الاستقرار الجنوبي
تبدو زيارة رشاد العليمي إلى الرياض محطة مفصلية قد تحدد شكل المرحلة المقبلة في اليمن، خصوصاً في المحافظات الجنوبية. فالسعودية، باعتبارها الراعي السياسي والعسكري الأكبر للشرعية، تتحرك لوقف التدهور في حضرموت قبل أن يتحول إلى صراع يطيح بما تبقّى من تماسك الجبهة المناهضة للحوثيين.
وسيتوقف نجاح الزيارة على مدى قدرة الرياض على تقريب وجهات النظر بين الحكومة والانتقالي، وضمان التزام الأطراف باتفاق التهدئة، وتحصين مسار الحل السياسي من تداعيات الانقسامات الداخلية. أما فشلها، فسيعني دخول الجنوب في مرحلة جديدة من التنافس المفتوح، بما يشكل تهديداًلاًقتصاد اليمن وأمنه واستقراره ومستقبل التسوية السياسية برمتها.
