من الخطف إلى الثروة: «الفدية» وقود الإرهاب الأفريقي
اعتبر خبراء متخصصون في شؤون الساحل الأفريقي أن الفدية أصبحت جزءًا رئيسيًا من اقتصادات صناعة الإرهاب في غرب القارة.
وأشار الخبراء إلى أن دولًا أبرزها مالي وبوركينا فاسو والنيجر عكست نتائج التفاعل بين هشاشة المؤسسات، والفوضى الأمنية، وأبعاد اقتصاد الصراعات.
وتشكل عمليات الخطف في غرب أفريقيا مصدرًا رئيسيًا لتمويل الجماعات المتمردة والتنظيمات الإرهابية، وحتى العصابات المنظمة.
ووفقًا للباحثين، فإن معالجة مصدر التمويل هذا تتطلب استراتيجيات متعددة الجوانب تشمل تعزيز القدرات الأمنية، وتحسين الظروف الاقتصادية المحلية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمراقبة هذه الأسواق المالية غير الشرعية.
اقتصاد الرهائن
ويمتد الساحل الأفريقي على سلسلة من الدول التي تعاني ضعفًا في مؤسسات الدولة، ونزاعات محلية، وضعف السيطرة على الحدود، وقد استغلت الجماعات المسلحة هذه البيئة للصعود والتمدد.
وقال الباحث السياسي الفرنسي برتراند بادي، أستاذ العلاقات الدولية بمعهد الدراسات السياسية في باريس إن ظاهرة اختطاف الرهائن مقابل فدية أصبحت واحدة من أكثر مصادر التمويل ربحية لتنظيمات التطرف المسلح في الساحل الأفريقي، لافتًا إلى أن هشاشة الأمن سمحت لهذه الظاهرة بالتحول من وسيلة ضغط سياسي إلى آلية تمويل مستدامة.
وأكد بادي أن اختطاف الرهائن أصبح جزءًا من اقتصاد الحرب في الساحل، مضيفًا أن “عدم استتباب الأمن وارتفاع معدلات الفقر في دول الساحل جعلا من عمليات الخطف وسيلة تمويل أكثر استدامة من التهريب”، مشيرًا أيضًا إلى أن هذه الأموال تُستخدم لشراء الأسلحة، ودفع رواتب المقاتلين، وتأمين ولاءات محلية وجغرافية.
من جانبه، قال الدكتور فولاهانمي آينا، الباحث السياسي المتخصص في قضايا الأمن والسياسات في منطقة الساحل الأفريقي إن هذه المصادر المالية باتت تلعب دورًا مركزيًا في استمرار العمليات المسلحة وتوسيع نطاق نفوذ الجماعات الإرهابية.
ورأى آينا أن الخطف مقابل الفدية بات يعتمد عليه القادة الميدانيون كجزء من استراتيجياتهم، مضيفًا: “لا يُعد الخطف صدفة أو عبثًا، بل هو عمل مدرّ للمال، وقد وُظف لتأمين استمرارية العمليات وتمويلها، لا سيما في المناطق التي لا تصل إليها الموارد الرسمية للدولة”.
وأشار آينا إلى أن الرهائن المحليين يتم ابتزازهم أيضًا من أجل مساهمات مالية قسرية، حتى من الأسر المحلية، مما يزيد من الزخم الاقتصادي للمنظمات المسلحة.
تأثيرات طويلة الأمد
وأوضح أن “انتشار هذه الظاهرة لا يؤثر فقط على الاقتصاد التنظيمي، بل يمتد تأثيره إلى النسيج الاجتماعي للدول المحلية، حيث يعاني السكان من مخاوف يومية، ويُعيق التدفق الحر للبضائع والخدمات، ويُضعف الثقة بين الدولة والمجتمعات المحلية التي ترى أن المؤسسات غير قادرة على حمايتها”.
وأضاف أن الاعتماد على الخطف والفديات كجزء من التمويل يؤدي إلى تعزيز فكرة أن الجماعات المسلحة ليست فقط قوة عسكرية، بل كيان اقتصادي قائم بذاته، ما يجعل جهود الاستقرار أكثر تعقيدًا.
وتكشف إحصاءات معهد الدراسات الأمنية الأفريقية “إي. إس. إس أفريكا” أن عمليات الخطف في منطقة الساحل أصبحت جزءًا من “اقتصاد الحرب” الذي يتغذى على ضعف الحكومات وتدهور الأمن العام، مما مكّن الجماعات المسلحة من استخدام استراتيجية الخطف كأداة لتمويل نشاطها بشكل منهجي.
وأظهرت مصادر متعددة أن عمليات الاختطاف لا تقتصر على الأجانب فحسب، بل تشمل أيضًا مواطنين محليين، وقد يستخدم الخاطفون الفدية مقابل الإفراج عن الضحايا.
أرقام واتجاهات
وتشير البيانات التاريخية إلى أن عمليات الخطف لأغراض الفدية تمثل أحد أهم مصادر التمويل للتنظيمات المسلحة في الساحل منذ أكثر من عقد.
ففي العقد الأول من القرن الحالي، قُدّر مجموع الفديات المدفوعة لتنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة في أفريقيا بعشرات الملايين من الدولارات، مما ساهم في توسعها واستمرارها في العمليات المسلحة.
كما تسجل المنطقة سنويًا آلاف حالات الخطف. فعلى سبيل المثال، أفادت منظمة “مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة” بتسجيل أكثر من 439 حالة اختطاف أو اختفاء قسري في منطقة الساحل خلال عام 2024، شملت عمليات نفذتها جماعات مثل ولاية الساحل الإسلامي، و”داعش”، وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين.
أكثر من مجرد فدية
وتظهر مصادر تحليلية أن الخطف مقابل الفدية ليس المصدر الوحيد للتمويل، لكنه أحد أبرز المصادر المالية إلى جانب أنشطة أخرى مثل نهب الماشية، وتعدين الذهب غير المشروع، والتهريب غير القانوني.
وفي كثير من الحالات، يقوم الخاطفون بتحديد “سعر” مختلف للرهائن بناءً على جنسيتهم أو وضعهم، ما يوحي بوجود آليات تسعير مرنة داخل هذا السوق السوداء.
