كيف يرفع التحذير الأميركي شبح التوتر مع إيران؟
حذر السيناتور الأميركي ليندسي غراهام في مقابلة مع صحيفة ‘جيروزاليم بوست’ العبرية على هامش زيارته لتل أبيب، من أن الصواريخ الباليستية الإيرانية قادرة على اختراق منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية “القبة الحديدية”.
وتأتي تصريحاته في سياق تصاعد التوترات الإقليمية وتنامي القلق الغربي من القدرات العسكرية الإيرانية، ولتعيد أيضا تسليط الضوء على ملف الصواريخ الباليستية بوصفها أحد أخطر عناصر المواجهة المفتوحة بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى.
وإقرار غراهام بقدرة الصواريخ الباليستية الإيرانية على اختراق منظومة ‘القبة الحديدية’ الإسرائيلية لا يحمل بعدا تقنيًا فحسب، بل ينطوي على دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، فتاريخيًا، ركّزت المقاربة الأميركية ـ الإسرائيلية تجاه إيران على برنامجها النووي، باعتباره التهديد الأبرز للأمن الإقليمي.
غير أن التطورات العسكرية المتسارعة وما كشفته جولات التصعيد الأخيرة، دفعت صناع القرار في واشنطن وتل أبيب إلى إعادة ترتيب أولوياتهم، ففي نظر غراهام، لم يعد التهديد النووي منفصلًا عن منظومة الصواريخ، بل بات الاثنان وجهين لعملة واحدة، إذ أن امتلاك إيران لصواريخ باليستية متطورة يضاعف من خطورة أي تقدم نووي محتمل، أو حتى من دون امتلاك سلاح نووي فعلي.
وتكتسب هذه التصريحات أهمية إضافية لتزامنها مع الحديث عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، حيث يُنتظر أن يطرح ملف الصواريخ الباليستية بقوة على جدول أعماله مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويعكس ذلك، وفق القراءة السياسية، نجاحًا نسبيًا للضغوط الإسرائيلية داخل دوائر القرار الأميركي، خاصة في ظل انتقادات وُجهت سابقًا للإدارة الأميركية بسبب حصر تركيزها في الملف النووي دون الالتفات الكافي إلى القدرات الصاروخية الإيرانية.
وتحمل تصريحات غراهام رسالة تطمين لإسرائيل مفادها أن التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي لا يزال ينظر إلى أمن تل أبيب كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي. فقوله إن “أي شيء يضعف إسرائيل يضعف الولايات المتحدة” يعكس منطقًا راسخًا في السياسة الأميركية، يقوم على اعتبار إسرائيل حليفًا استراتيجيًا متقدمًا في الشرق الأوسط، وخط دفاع أول عن المصالح الأميركية في المنطقة.
في المقابل، تضع هذه المواقف إيران أمام تحديات إضافية، إذ أن إدراج برنامج الصواريخ الباليستية ضمن دائرة الاستهداف السياسي والدبلوماسي، وربما العسكري، يعني تضييق هامش المناورة أمام طهران في أي مفاوضات مستقبلية. كما أن استحضار العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، بدعم أميركي مباشر، يبعث برسالة ردع واضحة مفادها أن واشنطن مستعدة للانتقال من الضغط السياسي إلى العمل العسكري إذا ما رأت أن ميزان الردع يتعرض للاختلال.
غير أن هذا الخطاب يغفل، وفق مقاربات نقدية، السياق الأشمل للصراع، خصوصًا في ظل امتلاك إسرائيل لترسانة نووية غير خاضعة لأي رقابة دولية، واستمرارها في سياسات الاحتلال والتوسع في الضفة الغربية وغزة وفي أراضٍ عربية أخرى. وهو ما يجعل من الخطاب الأميركي ـ الإسرائيلي حول “التهديد الإيراني” محل تشكيك لدى أطراف إقليمية ترى فيه ازدواجية معايير واضحة.
ولا يمكن فصل تصريحات ليندسي غراهام عن إعادة تموضع استراتيجية أوسع في التعاطي مع إيران، عنوانها الانتقال من حصر الأزمة في الملف النووي إلى توسيعها لتشمل منظومة الردع الإيرانية ككل، وفي القلب منها الصواريخ الباليستية، بما يفتح الباب أمام مرحلة أكثر تعقيدًا في معادلات الأمن الإقليمي.
