الصوم في الاصطلاح اللغوي يعني: الإمساك، وفي اصطلاح الشرع الشريف يعني: الإمساك عن جميع ما حرم الله في نهار رمضان من مفطرات حسية.
وهي الأكل والشرب والجماع ومقدماته، أو مفطرات معنوية من غيبة أو نميمة أو قول سوء أو فعل سوء، فمن أمسك عن كل ذلك ناوياً به التقرب إلى الله تعالى فهو الصائم الذي اختص الله عبادته هذه لنفسه، كما في الحديث القدسي: ” كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به” يجزي به جزء الصابرين بغير حساب، لما كان فيه صابرا على الطاعات بالأداء، وصابرا عن الشهوات بالترك، ولذلك سمي هذا الشهر بشهر الصبر والصبر ثوابه الحنة، وجزاء الشاكرين، لأن الشكر هو صرف العبد جميع ما خلق الله فيه إلى ما خلق لأجله، وهو ما يفعله الصائم الحق، وقد قال الله جل ذكره: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ }
هذا الصائم الذي بلغت منزلته عند ربه أن خَلوفه أي تغير رائحة فمه أطيب عند الله من ريح المسك، والذي فتح الله له أبواب إجابة الدعاء من غير حد ولا عد، كما ورد في الحديث ” ثلاث لا يرد لهم دعوة : الصائم حتى يفطر، وإمام عادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السموات، فيقول الرب : وعزتي لأنصرنَّك ولو بعد حين”
والذي تفتح له أبواب الجنان كما ورد في الحديث: ” إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين مردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنان، فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار” وهو كناية عن أسباب دخول الجنة بفعل الطاعات في هذا الشهر الكريم والتنافس فيها، وعدم دخول النار بعدم فعل المعاصي المسببة لدخول النار.
هذا الصائم الذي يتشبه بالملائكة في عدم الطعام والشراب وعدم معصية الله تعالى.
هذا الصائم هو الذي يحافظ على صومه فلا يجرحه بما ينقص أجره، فضلا عما يبطله، يحافظ عليه بما أرشد إليه المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله فيما يرويه عن ربه جل وعز: ” قال الله : كل عمل ابن آدم له ، إلا الصيام ، فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله ، فليقل إني امرؤ صائم” أي لا أجاريك فيما أنت فيه حتى لا أجرح صومي، ولا أجاريك فيما أنت فيه لأني مراقب ربي، ولا أفسد عملي بتحقيق شهوة الانتصار للنفس التي تكون سببا لخسارة الأجر وبطلان العمل، لأن ذلك ليس من فعل العقلاء الذين يحافظون على ما لديهم من رصيد ديني أو دنيوي، فالعاقل يعلم أن من أجلِّ أعماله التي يقدمها ليوم غده هي الصيام الذي لا ينفذ إليه أصحاب الحقوق يوم الجزاء؛ لأن الله تعالى اختصه لنفسه كما قال : ” إلا الصوم فإنه لي..” وما كان لله خالصا لا يقبل المشاركة، وهو سبحانه غنيٌّ عنه ولكنه يصطفيه للصائم فيخصه بأجره الذي يكون بغير حساب.
الصائم يعلم أنه في عبادة عظيمة وخالصة للمولى سبحانه، فهو يحاسب نفسه على التقصير في المسارعة إلى الخيرات فضلا عن أنه لا يقع في المحظورات، وبذلك تزكو نفسه وتسمو روحه للمعالي فيكون عابدا ناسكا في سائر أوقاته، وهذا ما أرده ربنا من فرض الصيام علينا كما قال سبحانه في افتتاح آيات الصيام: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وختم آيات الصيام بهذا المعنى فقال : {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} والتقوى هي المراقبة الدائمة لله تعالى بحيث لا يرى الرب عبده في معصية ولا يفقده في طاعة، وهي الحال التي يكون عليا الصائم في نهاره بالصيام بمعانيه الكاملة، وفي ليله بالقيام بمعاني التبتل إليه سبحانه بما يحب من الصلاة وتلاوة القرآن وصلة الأرحام، هذا هو الصيام الذي من تحقق فيه نال الأجر المترتب عليه كما قال عليه الصلاة والسلام: “رمضان ، إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه”
اللهم اجعلنا ممن صامه وقامه إيمانا واحتسابا فغفرت جميع ذنوبه وحفظته في بقية عمره.