اخترنا لكم

هل تطبيقات التواصل الاجتماعي تتجسس علينا؟

د. معين الميتمي


هل تخيلت يوماً لماذا لا تأتيك أي إعلانات على تطبيق “واتساب”؟

وهل فكرت لماذا اشترت “فيسبوك” هذا التطبيق بما يقدر بـ19 مليار دولار؟ ما القيمة التي تجعل “واتساب” بهذا السعر، ولماذا استحوذت “فيسبوك” على تطبيقي “أنستقرام” و”سناب شات” بمبالغ خيالية؟ سأسرد لكم القصة من البداية.

بدأت الدول الاستعمارية نموها بفضل المعلومات التي حصلت عليها عن عادات وتقاليد وحياة المستعمرات المستهدفة، وهذه المعلومات كانت تأتي من خلال المستشرقين والرحالة الذين كانوا يوثقون كل نواحي الحياة في الدول الغنية بالموارد، بهدف استعمارها، وبعد ذلك تطوّر الأمر باستخدام شبكات من الجواسيس للحصول على المعلومات الدقيقة عن تلك الدول حتى وصلنا إلى المرحلة الحالية التجسس الإلكتروني.

إذا كان الهدف من “الاستشراق دراسة علوم الشرق، وأحواله وتاريخه، ومعتقداته وبيئاته الطبيعية والعمرانية والبشرية، ودراسة لغاته ولهجاته وطبائع الأمة الشخصية في كل مجتمع شرقي، ودراسة الأشخاص والهيئات والتيارات الفكرية والمذهبية في شتى صورها وأنواعها”، فإن هذا الهدف ازداد تطوراً وتعقيداً في ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم.

هناك وكالات استخباراتية متعددة تحتوي على إدارات متخصصة في جميع المجالات من هذه الوكالات التي تهتم بالتجسس الإلكتروني ومنها وكالة الأمن القومي National Security Agency (NSA)، وهي متخصصة في جمع المعلومات الاستخباراتية في معظم دول العالم. وتقابلها في بريطانيا مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (RCHQ) تركز على الاستخبارات الإلكترونية. ففي التسعينيات، قدّم البريد الإلكتروني والهواتف الجوالة للمستهلكين أسلوبين جديدين للاتصال، وقد كان من السهل جداً سرقتهما والتنصت عليهما. وتم الاستغناء عن معظم الجواسيس المنتشرين في دول العالم والذين كانوا يستهلكون مبالغ كبيرة.

هناك أربع جهات تستهدف مستخدمي الإنترنت للحصول على معلوماتهم الخاصة بحساباتهم على شبكة الإنترنت أو أجهزة الاتصالات أو أي من خدماتها المقدمة عبر شبكة الإنترنت: الأولى: المخترقون وهم عادة هواة أو مجرمون يعملون لجهات مجهولة أو معلومة. الثانية: الحكومات للمحافظة على الأمن الداخلي. الثالثة: شركات الاتصال بالهواتف الذكية، وتكون خاضعة للمراقبة الحكومية: الرابعة: الشركات الوهمية من خارج الدولة وهدفها تخريبي.

تستهدف الاستخبارات الغربية الحصول على معلومات لأدق التفاصيل لكل مجتمع وخصائصه الدينية والنفسية والاقتصادية والعقائدية والمادية والأخلاقية وطبيعة المجتمع، ومدى استقلاليته في اتخاذ القرارات المصيرية. والهدف من هذه المعلومات استغلال المجتمعات وتدميرها من خلال نشر الفوضى الخلاقة وتشجيع التذمر من خلال التلاعب في خصائص المجتمع، وكذلك تستخدم في حالة الحروب.

ولكن كيف يقومون بذلك؟ إنهم يدّعون أن استخدام البيانات الخاصة بالمستخدمين هي لأغراض تسويقية، وفهم سلوك المستخدم، والحقيقة أن هناك حرباً خفية حول البيانات الضخمة التي يتم الحصول عليها من المستخدمين في التطبيقات التفاعلية، وهذه البيانات هي عبارة عن كل ما يقوم به المستخدم بالتفاعل مع الآخرين من خلال هذه التطبيقات من صور ومقاطع فيديو ومحادثات والمعلومات الشخصية للمستخدمين.

المعلومات التي كانت الدول تقوم بجمعها عن طريق الجواسيس والمستشرقين والمبشرين كانت مكلفة جداً، حيث يتم شراء المعلومات والإنفاق للحصول عليها، أما اليوم فالمعلومات تأتيها بالمجان، فالمستخدمون يقدمون خدمات معلوماتية مجانية وبكميات هائلة من خلال تقديم معلومات شخصية واجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية… إلخ، من خلال عملية التواصل فيما بينهم.

أين تُخزن معلومات المستخدمين؟ نحن نعلم أن كل التطبيقات المشهورة والأكثر استخداماً لها سيرفرات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتم حفظ هذه المعلومات بسرية وعناية خاصة، واستخدام برامج خاصة ليست في متناول الكثير من الدول، وتحليل هذه البيانات، وإعطاء نتائج دقيقة جداً عما يجري في كل بلد، بل وتقدم هذه البرامج حلولاً عن كيفية الاستفادة من هذه المعلومات.

متى تُستخدم هذه المعلومات؟ تُستخدم في حالات الصراع السياسي أو الاقتصادي أو الحروب من خلال إثارة الفوضى في المجتمع المستهدف؛ وهذه البيانات يتم بيعها للدول المعادية وجماعات الضغط في سبيل تمرير سياسات وصفقات سياسية أو اقتصادية معينة.

كيف نتصرف؟ كل كلمة تكتبها أو صورة أو فيديو أو مقطع صوتي تتداوله تتم الاستفادة منه عبر برامج معالجة البيانات المختلفة وتصنيف المعلومات والتعرف على اتجاهات وسلوك الشعوب في جميع مناحي الحياة. لذلك لا تنشر كل شيء. لا تقدم معلومات شخصية مهمة. لا تنشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بك وبعائلتك، لأنها مهمة جداً في التزييف العميق للصور والصوت. حافظ على التواصل بدون تقديم معلومات مجانية عن بلدك عن عائلتك عن مجتمعك. حاول أن تحصل على التطبيقات الوطنية، لأنها تحت إشراف الدولة ويتم الحفاظ عليها من استغلالها في زعزعة المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى