أردوغان يستبدل وزراء السيادة والطاقم الاقتصادي
أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تغييرات واسعة في حكومته، مستبدلا الوزراء الممسكين بحقائب السيادة وهو الفريق الذي عمل معه طيلة السنوات الماضية في قيادة سياسة تميل أكثر للصدام وأدار معه معارك داخلية وخارجية دفعت تركيا في النهاية لحافة عزلة اقليمية ودولية.
كما استبدل الطاقم الاقتصادي الذي تولى معه ادارة سياسة نقدية انتهت بالبلاد إلى أزمة مالية وهوت بالعملة الوطنية (الليرة) إلى قاع سحيقة فقدت معها نحو 50 بالمئة من قيمتها خلال السنوات الأخيرة ولم تغادر مع ذلك الطاقم مربع الاضطراب. فكان من أبرز من غادروا الحكومة وزراء الخارجية والداخلية والدفاع اضافة إلى وزراء المالية والطاقة والتجارة.
ضمّت الحكومة الجديدة التي أعلن عنها أردوغان 15 وزيرا جديدا، في أكبر تعديل يستهلّ به الرئيس التركي ولايته الجديدة، في خطوة توحي بأنه سيقود تغييرات كبيرة في سياساته التي أدت إلى انقسام حاد في البلد العضو في حلف شمال الأطلسي وتسببت في أسوأ أزمة اقتصادية ومالية.
وعيّن أردوغان جودت يلماز نائبا له وهاكان فيدان وزيرا للخارجية وعلي يرلي قايا وزيرا للداخلية ويشار غولر وزيرا للدفاع الوطني ومحمد شيمشك وزيرا للمالية وعمر بولات وزيرا للتجارة وألب أرسلان بيرقدار وزيرا للطاقة والموارد الطبيعية، فيما حافظ كلّ من وزيري الصحة فخرالدين قوجه والسياحة محمد نوري إرسوي على منصبيهما.
وقال شيمشك اليوم الأحد إن بلاده لا خيار لديها إلا العودة إلى أساس منطقي في السياسات الاقتصادية لضمان القدرة على التنبؤ بتبعاتها. وخلال مراسم تولي المنصب أكد أن الهدف الرئيسي للحكومة الجديدة سيكون زيادة الرفاهة الاجتماعية، مضيفا “ستكون الشفافية والاتساق والقدرة على التنبؤ والامتثال للأعراف الدولية مبادئنا الأساسية في تحقيق هذا الهدف”.
وحظي شيمشك بتقدير كبير من المستثمرين عندما شغل منصبي وزير المالية ونائب رئيس الوزراء بين عامي 2009 و2018. وحصوله على دور رئيسي في الحكومة قد يضع حدا لسنوات اتسمت بأسعار فائدة منخفضة على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم وسيطرة الدولة على الأسواق.
ويقول محللون إنه بعد حالات سابقة تحول فيها أردوغان إلى السياسات التقليدية وما يلبث أن يعود سريعا إلى أساليبه في خفض الفائدة، فإن أشياء كثيرة ستعتمد على مدى الاستقلالية التي سيتمتع بها شيمشك.
وقال إيمري بيكر المدير في مجموعة أوراسيا التي تغطي الشؤون التركية “يشير هذا إلى أن أردوغان اعترف بتقويض الثقة بقدرته على إدارة التحديات الاقتصادية التركية. لكن في حين أن تعيين شيمشك سيؤجل على الأرجح وقوع أزمة فمن غير المرجح تقديم إصلاحات طويلة الأمد للاقتصاد”.
وأضاف “من المرجح أن يحظى شيمشك بتفويض قوي في وقت مبكر من فترة ولايته، لكنه سرعان ما سيواجه رياحا سياسة معاكسة شديدة السرعة لتنفيذ السياسات مع اقتراب الانتخابات المحلية في مارس 2024”.
وشدد برنامج أردوغان الاقتصادي منذ 2021 على التحفيز النقدي واستهدف الائتمان لتعزيز النمو الاقتصادي والصادرات والاستثمارات، متسببا في الضغط على البنك المركزي للتحرك ومقوضا الثقة باستقلاله. نتيجة لذلك، بلغ التضخم أعلى مستوى في 24 عاما عند 85 بالمئة العام الماضي قبل أن يتراجع.
وفقدت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها في العقد الماضي بعد سلسلة من الانهيارات وحدث أسوأها في أواخر 2021. وهبطت إلى مستوى قياسي جديد لتتراجع إلى 20 ليرة مقابل الدولار الواحد بعد جولة الإعادة في 28 مايو/أيار.
كما تواجه الحكومة التركية الجديدة تحدي إعمار المناطق المتضررة من زلازل فبراير/شباط الماضي وجبر الخسائر الفادحة التي طالت قطاعات عديدة، وسط تقديرات أن تكلّف الاقتصاد عشرات المليارات من الدولارات.
وقضى وزير الخارجية الجديد نحو 13 عاما على رأس المخابرات التركية ووصفه أردوغان في تصريح سابق بأنه “كاتم أسراره”، بينما كان له دور بارز في مفاوضات التقارب بين أنقرة ودمشق.
ويوحي تعيين فيدان في هذا المنصب بإستراتيجية جديدة في الدبلوماسية التركية في سياق تهدئة التوتر بين أنقرة ومحيطها الإقليمي والدولي، فيما ينتظر أن تكثف تركيا خلال المدة المقبلة جهودها لتعزيز تعاونها مع دول الخليج وتحسين المصالحة مع مصر.
وأرجع مراقبون استبدال سليمان صويلو وزير الداخلية التركي السابق إلى الانتقادات الدولية الحادة التي طالت أنقرة على خلفية قمعها للاحتجاجات والتضييق المتزايد على الحريات، بينما يبعث الاستغناء عنه برسائل إلى الخارج مفادها تغيير السياسات الأمنية.
بدوره أكد وزير الداخلية الجديد يرلي قايا اليوم الأحد خلال تسلّم مهامه على أنه سيواصل العمل بجد من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجمات السيبرانية والمخدرات والهجرة غير القانونية، مشددا على أهمية تضميد جراح المنكوبين من المواطنين الأتراك في منطقة الزلزال.