إدانة أنور الفكر تؤكد عدم تساهل الكويت مع التدخل في صلاحيات الأمير
قضت محكمة الجنايات الكويتية، بحبس النائب السابق أنور الفكر ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ، بعد إدانته بجريمة التدخل في صلاحيات الأمير بشأن تعيين رئيس الوزراء، في خطوة تشير إلى عدم التساهل مع هذه القضايا في ظل الظرف السياسي الحرج في البلاد بعد حل مجلس الأمة، فيما لاتزال قضية أخرى منظورة أمام الجنايات وقد حددت المحكمة جلسة 3 سبتمبر/أيلول المقبل لنظرها،
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن “التهم المنسوبة إلى الفكر ثابتة بحقه”، مبينة أن “العبارات التي أصدرها المتهم تضمنت عدم التوقير في توجيه الخطاب إلى الأمير والتدخل في مسند الإمارة”. ومن المتوقع أن يطعن الفكر على هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف للمطالبة مجدداً ببراءته من التهم المنسوبة إليه من النيابة.
وبحسب وقائع الدعوى، فإن الفكر أدلى بتصريحات في مقابلة نشرها على حسابه بموقع إكس، تتعلق بقبول استقالة رئيس الوزراء وتعيين رئيس وزراء جديد.
ويأتي قرار المحكمة في ظل جدل سياسي في البلاد، بعد أن اتخذ أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح قرارات حاسمة بحل مجلس الأمة، “بسبب ما بدر من مجلس الأمة من تجاوز للثوابت الدستورية في إبراز الاحترام الواجب للمقام السامي، وتعمد استخدام العبارات الماسة غير المنضبطة”.
وكان الأمير في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، يوم 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قد شنّ هجوماً شديداً على الحكومة ومجلس الأمة، متهماً إياهما بالتواطؤ في الإضرار بمصالح البلاد، واتخذ نهجا جديدا حازما في التعامل مع الفوضى السياسية والفساد.
وقال متابعون أن قرارات الشيخ مشعل الأحمد جاءت ردا على بدا مؤخرا أنه شكل من أشكال الهيمنة والتدخل في صلاحيات أمير البلاد، وكذلك التمدد على كل النواحي في المجتمع بشكل مبالغ فيه وتركيز النشاط السياسي داخل أروقة المجلس فقط، لذا يسعى على توفير بيئة سياسية مستقيمة يلتزم فيها البرلمان بحدوده وصلاحياته كما تلتزم الحكومة أيضا بالأمر ذاته.
والفكر يعد من الأسماء المعارضة في مجلس الأمة الكويتي، الذي لم يرَ النور بعد قرارات أمير الدولة بحله، وتعليق بعض مواد الدستور لمدة 4 سنوات.
واعتبرت المحكمة، في الحيثيات أنها “لا تأخذ بما قرره (المتهم) من أنه لم يكن يقصد ارتكاب ما أسند إليه من اتهام، إذ إن هذا مردود عليه بأن المحكمة من استقرائها للعبارات محل الاتهام، وبما لها من سلطة في تفسيرها وتقدير مراميها ومدلولها والباعث على قولها ونشرها، قرَّ في يقينها بما لا يدع مجالاً للشك أن المتهم قصد الطعن علناً في حقوق الأمير وسلطته والمساس بذاته والتطاول على مسند الإمارة، مع علمه بمضمون تلك العبارات والتي من شأنها أن تؤدي إلى ذلك القصد باعتبار أنها جاءت صريحة وواضحة ولا تحتمل التأويل، حيث أدلى بها بمناسبة قبول استقالة رئيس مجلس الوزراء السابق سمو الشيخ أحمد النواف وعدم إعادة تكليفه، وتعيين رئيس مجلس وزراء جديد بدلاً منه، مع علمه بأن هذا حق خالص لسمو الأمير وحده يصدر بأمر أميري”.
وسبق لأنور الفكر، أن فاز بعضوية مجلس الأمة في الرابع من أبريل /نيسان الماضي، وشارك لأول مرة في انتخابات مجلس الأمة الكويتي لعام 2020 في الدائرة الرابعة وتم شطبه، ثم عاد وترشح في انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2022 عن نفس الدائرة وتم شطبه أيضاً، إلا أنه عاد وترشح أيضاً في انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2024 وفاز بعضوية المجلس، الذي صدر أمر أميري بحلّه في العاشر من الشهر الماضي.
ورداً على قول المتهم إنه “يُجلّ ويحترم سمو الأمير”، ردت المحكمة بأن “هذا القول ما ذكره بجلسة المحاكمة إلا خوفاً من العقاب (…)، وعليه فإنه بعد الإساءة العلنية لا يُقبل منه زعمه أمام المحكمة أنه يُجلّ ويحترم سمو الأمير”.
وأشارت المحكمة إلى أنه “لا يمكن القول إن ما صدر من المتهم يندرج تحت مظلة حرية الرأي التي كفلها الدستور، إذ إنَّ الدستور حدد ضوابط لممارسة حرية الرأي جَعَلَهَا في إطار الشروط والأوضاع التي بيّنها القانون، وذلك حسبما جاء في المادة (36) منه، إذ نصت على أن (حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي بَيّنَهَا القانون)، ومن ثم فإنه يجب على أي إنسان عند ممارسة حرية الرأي ألّا يخالف القانون، والحرية كما جاء بتعريفها هي القدرة على إتيان الشيء دون الإضرار بالآخرين، وما اقترفه المتهم ليس بحرية رأي وإنما هي مخالفات صريحة للقانون”.
وأشارت المحكمة إلى ما نصت عليه المادة (54) من الدستور على أن “الأمير رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس”، كما أن المشرع في المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 حمى شخص الأمير مما عساه أن يوجه إليه من طعن في حقوقه وسلطته.
وشددت على أن “الأمير بحكم مركزه الاستثنائي وعلو مكانته ومقامه السامي مُسْتَوْجِب التوقير والاحترام، حفظاً لمكانة سموه، أما الإنكار على سموه والاعتراض على أوامره الأميرية فإنه فضلاً عن مخالفته للقانون فإنه يجلب المفاسد ويُؤدي إلى عدم استقرار البلاد”.
وبعدما “اطمأنت لأدلة الثبوت”، قضت المحكمة بإدانة المتهم طبقاً لمواد الاتهام (المادة 1/172 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، مع إعمال نص المادة 1/84 من قانون الجزاء)، وقررت معاقبته عن الجريمتين المُسندتين إليه بعقوبة واحدة هي عقوبة الجريمة الأولى الأشد للارتباط.
وبيّنت المحكمة أن “حكماً نهائياً قد صدر في القضية رقم 10 لسنة 2013 جنايات أمن الدولة، بحبس المتهم سنتين مع وقف التنفيذ عن جريمة العيب في ذات الأمير والطعن علناً في حقوقه وسلطته، فما كان منه إلا أن أتى في هذه الدعوى ذات الجريمة بما لا يستحق معه إلا العقاب النافذ عَلّهُ يرتدع”.
وتنصّ المادة 25 من قانون أمن الدولة الكويتي على أنه “يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات، كل من طعن علناً أو في مكان عام، أو في أي مكان يستطيع سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام، عن طريق القول، أو الصياح، أو الكتابة، أو الرسوم، أو الصورة، أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته، أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة”.