وهو ما اعتبرته الحكومة الإسرائيلية مبرراً مهماً ومباشراً للتعامل مع الجانب الإيراني، الذي توهم أن له السطوة في تهديد المصالح الغربية والإسرائيلية في إطار من الممارسات غير المشروعة في الإقليم بأكمله، ليس فقط في الخليج العربي وخليج عمان وإنما مناطق التماس الاستراتيجية الممتدة على طول الطريق البحري من آسيا إلى إسرائيل ومنه إلى مضيق هرمز، الذي يفصل الخليج العربي عن سواحل عمان، التي شهدت تصرفات وردود فعل إيرانية في السنوات السابقة، وفي المقابل استهدفت إسرائيل ما لا يقل عن 12 ناقلة نفط إيرانية أو تحمل نفطاً إيرانياً متجهة إلى سوريا ومناطق أخرى خلال السنة ونصف السنة الماضية.
وبالتالي، ستفرض الاعتبارات الاستراتيجية رداً على المواقف الإيرانية على الجانب الإسرائيلي التحرك في مسارات واتجاهات متعددة، وفي توقيت واحد لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والسياسية سواء بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، عبر سلسلة من المشاورات، والاتفاق على خطوط التعامل المحتمل مع الحالة الإيرانية، وهو ما برز في سلسلة الاتصالات الأمنية والاستراتيجية التي قادها رئيس الموساد يوسي كوهين، ورئيس مجلس الأمن القومي مائير بين شبات، طوال الفترة الماضية مع نظيريهما على الجانب الأمريكي.
ومن الواضح أنه قد تمت بعض الاتفاقيات الأولية في أسلوب ونمط التعامل، وهو ما سيؤسس لاستراتيجية التحرك من جانب واحد على مسار ثنائي “أمريكي” وعلى مسار آخر ويؤكد استمرار التعامل الإسرائيلي بأكثر من مسار، وعبر أكثر من اتجاه حقيقي وفاعل يمكن البناء عليه لاحقاً، ومن خلال دوائر التأثير المباشرة والملاحظ أن هذه التعاملات الإسرائيلية مع إيران عادت بقوة، ومن خلال الإقدام على خيارات مهمة ومتعددة وفي دوائر متقاطعة ومتشابكة في نفس التوقيت، وهو ما يمكن تفهمه عبر ما يجري في الخليج العربي، واستهداف السفن الإيرانية، ويشير إلى أن إسرائيل بدأت الحرب السرية وغير المعلنة مع إيران، وستتمثل في استهداف إيران بحريا، والدخول في مناوشات مفتوحة انطلاقا من حسابات إسرائيلية حقيقية لن تتنازل عنها، أو تتراجع، بل ستزيد وتتنامى وفقاً لتقييمات إسرائيلية مركزة تؤكد على التعامل مع المهددات الإيرانية على مختلف القطاعات، ومسارح العمليات سواء كانت في سوريا أو العراق أو منطقة الخليج، باعتبار أن إسرائيل دولة عضو في التحالف البحري لمواجهات التهديدات الإقليمية، وعلى رأسها الخطر الإيراني الذي ما زال يهدد أمن الملاحة البحرية.
ولهذا، فإن المسار الإسرائيلي في التحرك سيعمل في اتجاهات متعددة، وفي نفس التوقيت، الأول: تطويق ومحاصرة أي تمدد لإيران في نطاقها الجيواستراتيجي، وعدم قصر ذلك على النطاق البحري، بل كل المهددات الاستراتيجية الممتدة والمتماسة في الخليج العربي وخارجه، وهو ما سيتطلب مزيداً من التفاعلات الحقيقية والمباشرة مع الخطر الإيراني، وسرعة التعامل معه، وبالتالي ستكون خيارات المواجهة والقيام بأعمال التخريب هي المطروحة والقائمة على أسس استراتيجية مباشرة ومتعددة، وهو ما سيؤدي إلى تحجيم التمدد الإيراني وعدم التصعيد، الثاني: تشتيت الجانب الإيراني، وإرباكه في أكثر من ساحة مواجهة بتتالي الضربات الإسرائيلية على قوات الحرس الثوري، وأذرع إيران في الإقليم سواء في سوريا أو العراق، وفي طوال المناطق المستهدفة والمتماسكة، والتي تتحرك فيها إيران وأذرعها في الإقليم.
والواضح أن الهجمات الإسرائيلية جاءت تحسباً لاستفادة إيران من أرباح النفط، لتمول أذرعها في الشرق الأوسط، كما أن بيع النفط الإيراني تواصل على الرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، والدولية المفروضة على سوريا. والمعلوم أن الحرس الثوري هو الذي يسيطر على شحنات النفط الإيرانية المتجهة إلى سوريا، وأن الهدف من هذه العمليات الإيرانية هو الالتفاف على العقوبات المفروضة على كل من إيران وسوريا لتمويل الحرس الثوري، والرسالة أن إسرائيل ستعمد لتوظيف وسائلها الاستراتيجية والعسكرية الممتدة للتعامل والتفاعل بصورة مباشرة، وهو ما قد يؤكد على العمل الانفرادي للجانب الإسرائيلي، وسيبقى لإسرائيل أن تقرر مسارات التحرك، وليس الجانب الأمريكي، مع التأكيد على قواسم مشتركة في أي مسار يشمل الدول العربية في إطار استراتيجية التطويق، وتهميش مساحة التحرك الإيراني في الإقليم، والواقع أن إسرائيل قد نجحت في تحقيق معركة أخرى دارت في الخفاء مع إيران عندما اخترقت البرنامج النووي الإيراني، وقامت بتخريب مسارات عمله، وفي إطار حركتها الاستخباراتية اعتُبر ذلك نجاحاً لجهاز الموساد، كما نجحت إسرائيل في استئناف سياسة الاغتيالات في قلب إيران، والتي كان آخرها تصفية العالم الإيراني خليل زاده، إضافة لعمليات استخباراتية أخرى ألمح إليها رئيس الموساد يوسي كوهين أكثر من مرة.
وبالتالي، فإن المواجهات ستستمر، وستمضي في إطارها طالما استمر الخطر الإيراني الذي يريد أن يؤكد حضوره في صدارة المشهد الاستراتيجي في الخليج العربي، وأنه قادر على القيام بذلك في ظل المواجهات مع إسرائيل، وكوسيلة ضغط على الإدارة الأمريكية للتبكير بالعودة للاتفاق النووي مجدداً، وهو أمر سيرتبط بآليات ومواقف سياسية واستراتيجية مختلفة لن تكون مقتصرة على الجانب الأمريكي فقط، بل ستكون هناك مواقف للأطراف الأوروبية والروسية، ودول الخليج إضافة لإسرائيل، وبالتالي فإن إيران ستجد نفسها في دائرة محددة بصرف النظر عن السلوك الإيراني الراهن، الذي يركز على المراوغة، وتشعيب عناصر الأزمة والعمل على الوصول بالمشهد الراهن سياسياً واستراتيجياً لحافة الهاوية.
في كل الأحوال، فالمنطقة في مرحلة حرجة، حيث سيكون لإسرائيل والدول المعنية بالتعامل مع الخطر الإيراني موقف حاسم ومباشر، مع التأكيد على اتباع كل الوسائل للتأكيد على الخطر الإيراني وأذرعه التي تتحرك في الإقليم تريد تأكيد رسالة حقيقية بأن إيران لديها أوراق ضاغطة ومتعددة، وأن خياراتها ليست صفرية، وهو الأمر الذي سيكون محل تجاذب سياسي واستراتيجي حقيقي في الفترة المقبلة، حيث لن يسمح لإيران بالتحرك وتنفيذ استراتيجيتها تحت أي مسمى مع التأكيد على أن إيران تبقى المهدد الأكبر لأمن الإقليم بأكمله.
وليبقى السؤال المطروح، هل في ظل العداء المُعلن بين الجانبين، وأمام حقيقة استراتيجية يؤكد عليها استراتيجيون كبار في إسرائيل بأن العلاقة بين إسرائيل وإيران نهايتها الحرب، مقابل السيناريو الآخر، الذي يشير إلى بقاء الأوضاع على حالها في المدى المنظور، حيث ستستمر إسرائيل في استهداف المصالح الإيرانية دون وجود ردود إيرانية حقيقية، واستخدام الولايات المتحدة وسيلة ضغط مستمر على إيران، وفي ظل التأكيد المستمر على أن الخطر الإيراني، بصرف النظر عن مخاطره، باتت إسرائيل تجني من ورائه مكاسب حقيقية إقليمية ودولية.