سياسة

إعادة تموضع داخل التنسيقي بعد خطوة السوداني الانتخابية


تستعد قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي لعقد اجتماع طارئ خلال الأيام القليلة المقبلة، بهدف توحيد المواقف بشأن قانون الانتخابات البرلمانية القادمة. ومعالجة الانقسامات المتفاقمة بين أطرافه، خصوصاً بعد إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ترشحه رسمياً للانتخابات، في خطوة قلبت الحسابات داخل البيت الشيعي وأربكت توازنات قوى نافذة فيه. على رأسها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.

ويعتقد ان الاجتماع المرتقب يهدف من ورائه الاطار التنسيقي اعادة ترتيب اوراقه على ضوء اعلان السوداني نيته الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة.
ونقل موقع “شفق نيوز” عن مصادر سياسية مطلعة أن قادة الإطار اتفقوا على عقد اجتماع طارئ خلال اليومين المقبلين لمناقشة الخلافات المتفاقمة خاصة .فيما يتعلق بالترشحات بعد اعلان السوداني دخول السباق الانتخابي وكذلك بشأن العملية الانتخابية، في ظل انقسام بين من يطالب بتعديل بعض بنود قانون الانتخابات، وآخرين يرفضون المساس بالقانون الحالي ويصرّون على الالتزام بالتوقيتات الدستورية.
ويرى مراقبون أن التوقيت الذي اختاره محمد شياع السوداني لإعلان ترشحه من على منصة “ملتقى السليمانية” لم يكن عبثياً، بل جاء محسوباً بدقة، ليبعث برسائل متعددة الاتجاهات، أهمها استعداده للبقاء في المشهد السياسي كلاعب رئيسي، في مواجهة مباشرة مع نوري المالكي. الذي يحاول استعادة موقعه في رئاسة الحكومة وفي السلطة.

ووفقاً للمصدر، فإن الاجتماع يهدف إلى توحيد موقف الإطار من الانتخابات. ومنع محاولات تأجيلها أو إدخال البلاد في أزمة دستورية جديدة. ورغم أهمية الاجتماع، لا يُتوقع الإعلان رسمياً عن مخرجاته، ما يعكس حساسية المرحلة وشدة التوتر بين الأطراف في ظل منافسة بين شخصيات نافذة داخل الاطار حول دعم شخصية بعينها وسط منافسة خاصة بين رئيس ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء الحالي.
وقد أشار السوداني صراحة إلى أن “الانتخابات فرصة لدعم مشروع إصلاحي للعراق”، متحدثاً عن إنجازات حكومته ومشاريع خدمية واقتصادية، من بينها خطط الطاقة المتجددة. وتطوير البنية التحتية، ووقف حرق الغاز، وغيرها من مؤشرات الأداء التي يعتزم توظيفها في حملته الانتخابية.
في المقابل، يشعر المالكي أنه في موقف سيئ. فعودة التيار الصدري لا تزال مستبعدة. وقواعده الشعبية قد تتجه نحو رئيس الوزراء العراقي الحالي أو قوى جديدة. ما يعني أن ائتلاف دولة القانون سيواجه تراجعاً حاداً في حضوره البرلماني، وقد يخسر موقعه داخل الإطار التنسيقي ذاته.

والمعادلة الإقليمية أيضاً تبدو معقدة. فإيران، التي لطالما اعتبرت المالكي حليفاً موثوقاً، تجد نفسها أمام واقع جديد لا يسمح لها بدعمه بنفس الحماس. الضغط الأميركي والخليجي. ورغبة طهران في تجنب صدام مباشر مع واشنطن في العراق، كلها عوامل ترجّح كفة السوداني. الذي يُنظر إليه كشخصية مقبولة إقليمياً ودولياً، و”أقل إحراجاً” لطهران في هذه المرحلة الدقيقة.
ويعتقد مراقبون أن السياسة الإيرانية تميل حالياً نحو “الواقعية البراغماتية”. وهذا ما يدفعها لدعم السوداني، أو على الأقل عدم عرقلته، خصوصاً إذا ما وُضعت على طاولة الخيار بين شخصية قادرة على ضمان مصالحها عبر أدوات الدولة. وشخصية أخرى ترتبط بملفات فساد وعلاقات داخلية متوترة.

ايران أقرب لدعم السوداني في ظل التطورات الاقليمية
ايران أقرب لدعم السوداني في ظل التطورات الاقليمية

ويمثل الخلاف على تعديل قانون الانتخابات، وتحديداً قانون رقم 12 لسنة 2018. واحداً من أخطر التحديات التي يواجهها الإطار التنسيقي، خصوصاً أن القوى السنية، ومعها كتل سياسية مؤثرة، ترفض أي تعديل بحجة مخالفته للدستور وقرارات المحكمة الاتحادية.

وقد أكد النائب طلال الزوبعي أن اللجنة القانونية رفضت مقترح التعديل، ما يعني أن الانتخابات ستُجرى في موعدها ووفق القانون الحالي، وهو ما يصب في مصلحة السوداني مرة أخرى. ويفتح المجال أمامه لتوسيع تحالفاته الانتخابية، خصوصاً في ظل الغياب المتوقع للتيار الصدري.
ومع تحديد يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 موعداً رسمياً للانتخابات، أطلقت المفوضية العليا للانتخابات عملية تحديث سجل الناخبين، والتي ستشمل قرابة 30 مليون ناخب. وتتزامن هذه التحضيرات مع حراك سياسي مكثف لتشكيل تحالفات انتخابية جديدة قد تعيد رسم الخارطة السياسية للعراق.
ومن المتوقع أن تتجه غالبية الأصوات الشعبية، خاصة في الأوساط الشيعية والوسطية، إلى تحالفات يقودها السوداني أو قوى إصلاحية ناشئة، مستفيدة من تراجع ثقة الشارع بالقوى التقليدية. وعلى رأسها ائتلاف المالكي.

وقد كشف مقرر مجلس النواب الأسبق، محمد عثمان الخالدي. عن حرب كواليس داخل البيت الشيعي متحدثا عن وجود حملات ممنهجة تقودها جهات سياسية تخشى فقدان نفوذها في الانتخابات المرتقبة، وتسعى لإقصاء شياع السوداني من المشهد السياسي.
وقال الخالدي، في تصريحات أدلى بها لموقع”بغداد اليوم”، إن “الحكومة الحالية. وعلى الرغم من وجود تباينات في تقييم أدائها بين مختلف الأطراف، استطاعت تحقيق تقدم ملموس في تسعة قطاعات محورية، من بينها الخدمات والطاقة ومكافحة الفساد. فضلاً عن جهودها في تهدئة الخلافات مع إقليم كردستان، ومواقفها المتوازنة إزاء الأزمات الإقليمية”.

وبحسب الخالدي، فإن رئيس الوزراء “أصبح رقماً صعباً في المعادلة السياسية”، وهو ما دفع أطرافاً تقليدية إلى شن حملات تستهدفه في الخفاء، على خلفية مؤشرات داخلية تشير إلى تراجع محتمل في نفوذها الانتخابي. وأضاف أن هذه القوى باتت تلجأ إلى أدوات غير معلنة. أبرزها حملات التشويه على مواقع التواصل الاجتماعي، والترويج لتعديلات محتملة على قانون الانتخابات، في محاولة لتقييد صعود أي تيار جديد يُحسب على السوداني.
وأشار كذلك إلى أن نجاح الحكومة في تفكيك أزمات متراكمة منذ أكثر من 15 عاماً، أعاد تشكيل المزاج الشعبي، وأثار قلق بعض القوى التي كانت تراهن على استمرار حالة الجمود السياسي. مشدداً على أن ما يدور في الكواليس اليوم، لا ينفصل عن حسابات ما بعد 11 نوفمبر. حيث من المتوقع أن تشهد الخارطة السياسية العراقية تغييرات جوهرية قد تطيح برؤوس تقليدية لصالح وجوه أكثر اتزاناً وواقعية.

حظوظ المالكي الانتخابية باتت أقل في ظل دعم أكبر للسوداني
حظوظ المالكي الانتخابية باتت أقل في ظل دعم أكبر للسوداني

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل سينجح الإطار التنسيقي في الخروج من الاجتماع المرتقب بموقف موحّد؟ أم أن الانقسامات العميقة ستتحول إلى قطيعة. تعجّل بتفكك هذا التحالف الذي تشكّل لمواجهة الشارع بعد احتجاجات ، وتحول لاحقاً إلى مظلة للحكم؟

ويعتقد ان نجاح رئيس الوزراء الحالي في ترسيخ موقعه الانتخابي. واحتفاظه بالدعم الإقليمي والدولي، سيفتح الباب أمام احتمال إعادة تشكيل التوازنات داخل الإطار. وربما حتى خارج الإطار، لتبدأ مرحلة جديدة من التنافس السياسي لا مكان فيها لقادة المرحلة السابقة، الذين تآكل رصيدهم بفعل الأداء والفساد.
وبينما يتحضّر العراق لدخول انتخابات مفصلية، تتجه كل الأنظار إلى البيت الشيعي. الذي يعيش واحدة من أكثر فتراته السياسية حساسية. فاجتماع الإطار التنسيقي ليس مجرد محطة تنظيمية، بل اختبار حقيقي لوحدة القوى الشيعية، ومدى قدرتها على إنتاج قيادة سياسية جديدة تتماشى مع المتغيرات الداخلية والخارجية، وتلبي طموحات العراقيين بإصلاح حقيقي. ومشروع وطني جامع يتجاوز الانقسامات والمصالح الحزبية الضيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى