حصري

استهداف قافلة مليط: قراءة في استراتيجية الدم والتجويع عند الحركة الإسلامية


لم يكن قصف طائرات جيش الحركة الإسلامية لقافلة مساعدات إنسانية في مدينة مليط حدثاً عابراً أو خطأً عسكرياً. بل جاء كحلقة جديدة في سلسلة تكشف بوضوح الطابع الدموي للحركة الإسلامية ونهجها القائم على استهداف الشعب قبل خصومها. هذه الجريمة تحمل في طياتها رسائل سياسية وعسكرية عميقة، وتستدعي قراءة تحليلية لفهم أهدافها ومآلاتها.

أولاً: المدنيون في مرمى الاستهداف

القافلة كانت محملة بالدواء والغذاء الموجهين لآلاف المحتاجين، أي أنها تمثل شريان حياة لمجتمع محاصر بالجوع والحرب. استهدافها يعني أن الحركة الإسلامية لا ترى فرقاً بين مقاتل أعزل وطفل جائع، وأنها تعتبر المدنيين ساحة رئيسية لمعركتها. بهذا الفعل، تُحوّل الحركة الإغاثة الإنسانية إلى هدف مشروع في استراتيجيتها، في مخالفة فاضحة للقانون الدولي الإنساني.

ثانياً: التجويع كسلاح حرب

القصف في مليط يعكس اعتماد الحركة الإسلامية على سياسة التجويع الممنهج لإخضاع المجتمعات المحلية. فهي تدرك أن توفير الغذاء والدعم يعزز صمود المدنيين ويقوي موقف الثورة، ولذلك تلجأ إلى حرمانهم من المساعدات لضرب روح المقاومة. هذا التكتيك ليس جديداً؛ بل تكرر في مناطق أخرى حيث عُرقلت القوافل وأُحرقت المخازن.

ثالثاً: معركة ضد الثورة لا ضد “الأعداء”

من يراقب سلوك الحركة الإسلامية يكتشف أنها لم تعد تحارب خصوماً عسكريين بقدر ما تحارب فكرة الثورة ذاتها. فهي تعتبر أي دعم للمدنيين تهديداً لهيمنتها، وأي عملية إغاثة دليلاً على وجود مشروع بديل يقوم على الحرية والديمقراطية. استهداف القوافل الإنسانية هو إذن استهداف مباشر لمسار الثورة عبر ضرب البيئة الشعبية التي تدعمه.

رابعاً: الرسائل السياسية

الحادثة تحمل رسائل متعددة:

  1. للشعب: إرهاب وتخويف بأن لا حماية ولا غذاء في ظل رفض الخضوع.

  2. للمجتمع الدولي: تحدٍ صارخ لاتفاقيات جنيف واستهزاء بالشرعية الدولية.

  3. للقوى الثورية: تذكير بأن المعركة لم تحسم وأن المشروع الديمقراطي يواجه عدواً يستخدم كل أدوات العنف غير الأخلاقي.

خامساً: ما الذي تكشفه مليط عن مستقبل الصراع؟

تحليل هذا الحدث يقود إلى استنتاج رئيسي: أن الحركة الإسلامية اختارت مساراً دموياً لإفشال أي فرصة لبناء سودان ديمقراطي. فهي لا تراهن على الانتصار العسكري فقط، بل على إنهاك المجتمع وحرمانه من مقومات الحياة. غير أن هذه الاستراتيجية تحمل بذور فشلها، إذ إنها تعمّق عزلة الحركة داخلياً وخارجياً، وتكشف وجهها الحقيقي أمام الرأي العام الدولي.

حادثة مليط ليست مجرد قصف لقافلة مساعدات، بل مرآة لاستراتيجية كاملة تقوم على الدم والتجويع والإرهاب. وهي في الوقت ذاته دليل جديد على أن الثورة السودانية تواجه خصماً يعتبر الشعب عدواً رئيسياً، ويستخدم ضده أبشع الأسلحة. إن الرد على مثل هذه الجرائم لا يكون بالصمت أو الإدانة فقط، بل بزيادة الوعي الشعبي، وتعزيز التضامن الدولي، والمضي قدماً في حماية الثورة والمشروع الديمقراطي حتى لا تبقى حياة المدنيين رهينة لطائرات الحركة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى