الأمن الخليجي المشترك.. تحديات وتطلعات
لا شك أن الأمن والحفاظ عليه من الأهداف الأساسية، التي تسعى الدول إلى تحقيقها.
وهي مسألة تحظى بأولوية قصوى في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث قامت -ولا تزال- بجهود كبيرة ومميزة، سواء على مستوى فردي أو جماعي.
ونظرًا لأهمية، بل ومحورية التعاون في هذا المجال، فقد عملت هذه الدول على توحيد الجهد المشترك لتحقيق أعلى درجات الأمن الممكنة، وخاصة في ظل التحولات والتحديات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط.
وفي إطار هذه الجهود برز جهاز الشرطة الخليجية، الذي يعتبر واحدًا من المنظمات الأمنية الإقليمية الأكثر فعالية ونجاحًا في رفع مستوى التنسيق الأمني بين دول المجلس، حيث أسهم بوضوح في تكامل العمل الأمني وتعزيز التعاون بين دوله من خلال ربط أجهزة الشرطة في دوله، وبناء شراكات مع المنظمات الشرطية الإقليمية والدولية لضمان أكبر قدر ممكن من الفاعلية في مكافحة الجرائم، حتى أصبح الأمن الداخلي في دول المجلس على أفضل ما يرام، ولذلك فهو يعد من أنجح المنظمات الأمنية الإقليمية.
كما أن هناك جهودًا أخرى كبيرة تبذلها الأجهزة الأمنية للدول الأعضاء بهدف ترسيخ الأمن الداخلي ومحاربة الجريمة بكل أشكالها، سواء على مستوى التواصل الثنائي أو من خلال الاجتماعات الدورية لوزراء الداخلية، حيث أظهرت هذه الدول حرصًا شديدًا على ترسيخ واستمرارية هذا التعاون الذي وصل إلى حد الاشتراك في كشف الجرائم وتعقب المجرمين.
وتشير تقارير النتائج السنوية للجريمة الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة والعديد من المنظمات والجهات الدولية المتخصصة إلى أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أفضل الدول أمنًا على المستوى العالمي، وخاصة في مكافحة “الجريمة المنظمة”، وفقًا للعديد من المؤشرات من بينها مؤشر حجم الجريمة لكل 100 ألف من السكان، والعديد من المؤشرات الجنائية والأمنية الأخرى، وتحتل العديد من دول المجلس المراكز الأولى في مؤشرات التقارير الدولية الخاصة بقياس مستوى ودرجات الأمن، وهو ما يؤكد أن الأمن الداخلي لدول المجلس بخير وفي أعلى مستوياته، بل ويشهد تطورًا عامًا بعد عامٍ.
ومع ذلك، فإن هناك العديد من التحديات الأمنية التي تواجه النظام الأمني الخليجي، وهي في الحقيقة تحديات عامة وتواجه تقريبًا معظم -إن لم يكن كل- دول العالم.
وتأخذ هذه التحديات أشكالا غير تقليدية، مثل محاولة بعض المنظمات الإرهابية تصدير الأفكار الضالة أو المتطرفة، والتي تشكل بالفعل تهديدًا للأمن الدولي وليس فقط الخليجي، حيث تظهر بعض ملامحها على الساحة العالمية متمثلة في الأعمال الإرهابية التي تستهدف كل شيء دون تمييز.
وعلاوة على ذلك، هناك تحديات مستحدثة، ونقصد بها هنا تحديدًا الجوائح التي أصابت العالم في الفترة الأخيرة، وأخطرها جائحة “كوفيد-19”، والتي برغم تراجع أو انحسار حدتها أو خطورتها في العديد من الدول، فإنها ما زالت تشكل هاجسًا أمنيًّا لا بد من الاستعداد له ومواجهته.
وتهدف هذه الورقة إلى تحديد أهم التحديات الأمنية، التي تواجه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكيفية مواجهتها من قبل الأجهزة الأمنية لدول المجلس، وآليات التعاون مع الأجهزة الأمنية العالمية للقضاء على تلك التهديدات والحد من تداعياتها على الأمن الداخلي لدول المجلس.
أولا: تحديات أمنية ينبغي مواجهتها خليجيًّا
من خلال نظرة سريعة إلى واقع الأوضاع العالمية، ومع بروز العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والأوبئة، يلاحَظ أن هناك تحدياتٍ أمنية كبيرة تفرض نفسها كواقع لا يمكن تجاهله، ولذلك فإن جميع الأجهزة الأمنية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تضاعف جهودها وتعزز تعاونها القائم، وأن تزيد من عمليات التنسيق لمواجهة التأثيرات الأمنية السلبية للحروب والخلافات القائمة في المنطقة وفي دول العالم الأخرى، وذلك من خلال التخطيط السليم والمبكر، وخاصة ما يسمى بـ”التخطيط بالسيناريو”، بينما يمكن تبادل هذه الخطط ومناقشتها على مستوى القيادات الأمنية في دول المجلس للتصدي لجميع النتائج السلبية لهذه المشكلات، والتي من أهمها ما يلي:
ظاهرة الإرهاب والمنظمات الإرهابية:
لا شك أن الحروب وعدم الاستقرار في بعض الدول المجاورة لها تأثيرات سلبية على الأمن الداخلي لدول المجلس، وهذا طبيعي في كل مناطق العالم التي تنشأ فيها مثل هذه الحروب والصراعات، ومجلس التعاون ليس استثناءً.
وتكمن خطورة هذه الصراعات أو التوترات القائمة في تأثيراتها المتعددة، فإلى جانب التأثيرات الأمنية هناك أيضًا التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، حيث يتأثر الأمن الداخلي للدول بسبب الأوضاع غير الطبيعية في الدول المجاورة، وما تفرزه هذه الأوضاع من حركة غير منتظمة للسكان والأموال والسلع، وهو ما يشكل منفذًا لارتفاع الجريمة وتهديدًا للأمن الداخلي للدول، الذي يتأثر إيجابيًّا أو سلبيًّا بمدى الاستقرار في الدول المحيطة.
وقد عانت دولنا من حالات عدم الاستقرار الأمني في الدول المحيطة منذ ثمانينيات القرن الماضي، فدول المجلس تتصل بالعالم على جميع الصُّعُد، وتتأثر أو تؤثر أمنيًّا بسبب هذا التواصل، وخاصة أن الاعتماد على الإجراءات الأمنية في بعض دول المنطقة قد بات منخفضًا للغاية، ولا يمكن الاعتماد عليه، وهذا بلا شك يسبب قلقًا أمنيًّا مضافًا، ومدعاة لتشديد الإجراءات الوقائية للحد من التأثيرات السلبية الخارجية من خلال تعزيز العمل الأمني الجماعي لدول المجلس.
الجرائم الإلكترونية:
تشكل الجرائم الإلكترونية، التي أخذت جزءا مهما من الجهد الأمني خلال الأعوام الماضية، تهديدًا مستمرًّا للأمن الداخلي لدول المجلس، وخاصة ما يتعلق منها بالجرائم الاقتصادية، والعملات الرقمية، وجرائم القرصنة الإلكترونية، وإساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، وتهديدات البنية التحتية الرقمية وغيرها.
وتعتبر الجرائم الإلكترونية من الجرائم المستحدثة، التي واكبت ظهور الإلكترونيات، وتطورت بتطورها، وستبقى هذه الجريمة تتطور ما دام هناك تطور إلكتروني وتقني.
وبما أن هذه الجرائم حديثة، وتركز بشكل خاص على الجوانب المالية والمعلوماتية والحقوق الشخصية، فقد قامت دول العالم بالتعامل معها وسنّ قوانين خاصة بها، للتصدي لها ومواجهتها بما يحفظ حقوق المجتمع.
وكانت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أوائل دول العالم استخدامًا للتقنيات والشبكات والربط مع دول العالم، ولذلك يتم التصدي لهذه الجريمة بشتى الوسائل، سواء من الناحية التشريعية أو من النواحي التقنية.. وحيث إنها جريمة عابرة للحدود ومتطورة بشكل دائم فإن الحاجة تدعو إلى التعاون والتنسيق المستمر بين أجهزة الأمن، سواء على مستوى دول الخليج العربي أو على المستوى العالمي.
مواجهة التدخلات الخارجية:
تعد التدخلات الخارجية أيضًا من أخطر التهديدات للأمن الداخلي للدول.
فعندما نتحدث عن الجرائم، لا بد من التفريق بين ثلاثة أنواع من حيث مرتكب الجريمة: هل هو إجرام فرد، أو عصابة منظمة، أو دولة؟
فالإجرام لا يقتصر على الأفراد، بل يمكن أن تكون هناك دول مجرمة أيضًا.. فالدول التي تدعم المنظمات الإرهابية لإثارة الفتن وتصدير الجريمة والأفكار الضالة وزعزعة الاستقرار عن قصد هي دول مجرمة.. ومرتكب الجريمة يسمى مجرمًا سواء أكان فردًا أو عصابة مكونة من مجموعة أفراد أو دولة، ينطبق عليها جميعًا التوصيف نفسه، وهو الخروج عن القانون، سواء القوانين المحلية أو القوانين الدولية، ومن أهمها القانون الجنائي الدولي.
وقد نجحت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بامتياز عالمي في مواجهة جريمة الفرد وجريمة العصابة المنظمة، وهو ما يفرض عليها أن تكون كذلك في مواجهة إجرام المنظمات والجماعات الإرهابية التي تدعمها الدول، لأن تأثير إجرام الدولة أو التدخلات الخارجية يكون عادة أكبر من تأثير جريمة الفرد أو العصابة وأشد خطورة على الأمن الداخلي للدول.
تصدير الأفكار الضالة:
منذ الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي بدأت في منتصف القرن الماضي، فإن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد استقبلت على أراضيها جاليات كبيرة ومن ثقافات متعددة منذ عشرات السنين، ويتعايش الناس في ظل الأمن والاستقرار والمسؤولية الاجتماعية، التي يستشعرها الجميع.. بل إنه قد تم تحويل هذا التنوع البشري من مصدر للقلق الأمني إلى مصدر للتكامل والاستفادة من الثقافات المتعددة، ولا يجد المواطن في دول المجلس أي غضاضة في التعامل مع الآخر، فمجتمعاتنا تتقبل الآخر بالفطرة وتتعايش معه، وتحترم ثقافته وفقًا لديننا الحنيف وموروثنا الثقافي والاجتماعي.
بيْد أن السنوات القليلة الماضية قد أفرزت جماعات متعددة تحمل أفكارًا مختلفة، ليس لها صلة ببناء الأوطان والإنسان في هذه المنطقة.
وهذه الأفكار قد تتخذ شكلا دينيا أو طائفيا أو مذهبيا، وجميعها أفكار دخيلة على مجتمعاتنا، ولا تمت له بصلة.. وتستغل هذه الجماعات حرية الحركة في دول المجلس وتواصلها مع العالم وكذلك الوسائل الإلكترونية المتاحة، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، للتأثير على الشباب وبث أفكارها المسمومة ومحاولة ترسيخها في أذهان العامة.
ولا شك أن وراء تلك المحاولات أهدافًا سياسية ومؤامرات خارجية.. ولذلك، فإن الأمن الداخلي لدول المجلس يحتم علينا اتخاذ العديد من الإجراءات لقطع الطريق أمام مروّجي مثل هذه الأفكار الضالة، ومن أهم هذه الإجراءات مسألة الخطاب الديني، الذي يجب ألا يُترك لكل من هبّ ودبّ ليتسلل إلى عقول أبنائنا ويغرس فيها ما يشاء.
بل علينا أن نحرص على إيصال المعلومة الدينية الصحيحة، وخاصة بين الشباب، وبشكل أَخَصّ الجيل الذي لا يزال في المدارس، حتى يتم تحصين المجتمع من الغزو الفكري الخارجي الضال.
ولا يبدو أن المسجد أو المدرسة كافيان لتغطية هذا الجانب، بل يقع جزء كبير من هذه المهمة على عاتق الإعلام بكل منافذه المسموعة أو المشاهدة أو المقروءة، خاصة قنوات التواصل الاجتماعي الإلكترونية، التي تشكل المنبر الإعلامي الأول لدى الشباب والأكثر متابعة.
الأوضاع الاقتصادية:
يعتبر الاستقرار الاقتصادي المسهم الأكبر في تحقيق الاستقرار الأمني لأي مجتمع.. فمن أهم أسباب معالجة الانفلات أو التدهور الأمني استقرار الوضع الاقتصادي، من خلال معالجات أو إجراءات، أهمها توفير فرص العمل، ومحاصرة البطالة في أدنى مستوياتها، حيث أظهرت دراسات كثيرة أن الفراغ والعطالة عن العمل بين الشباب يمكن أن تكون مدخلا للاختلالات الفكرية ومن ثم الأمنية، ومن خلال هذا المنفذ تتمكن الأيادي الخارجية من العبث بأمن المجتمع وزعزعة استقراره.
ولا شك أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لديها مجتمعات متراصة ومدركة وواعية لما يدور حولها وما يُحاك ضدها.
فالمجتمع في الحقيقة هو الدرع الأولى التي تواجه أي تدخلات خارجية لزعزعة أمنه واستقراره، حيث توجد روابط وجسور قوية بين المواطن الخليجي ورجال الأمن، وهذا الأمر ليس جديدًا، وإنما يعود إلى بدايات تأسيس هذه الأجهزة الشرطية، حيث قامت العلاقة بين المواطن ورجال الأمن على الثقة والتعاون وحفظ الحقوق، ولا تشوبها شائبة من الشك أو الخوف أو القلق.
وقد نجد المواطن في بعض دول العالم -وحتى المجاورة لنا- يشعر بالقلق عند رؤية دورية الشرطة، بينما يشعر المواطن في مجتمعاتنا بالاطمئنان لوجود هذه الدوريات، حيث قامت رسالة الأجهزة الأمنية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من البداية على خدمة المواطن، وتحقيق أمنه والسهر على سلامته.
التهديدات الحديثة للأمن:
لعل من أحدث وأخطر التحديات الأمنية العالمية هو ما كشفت عنه جائحة “كوفيد-19″، وما خلفته من انفلات أمني في العديد من دول العالم، نتيجة انهيار المنظومات الصحية وتزايد وفَيات وإصابات الوباء، وما ترتب على ذلك من ظهور كارثة إنسانية غير مسبوقة هددت المجتمع البشري بأسره، ولا تزال تداعياتها، رغم انحسار الأزمة، حتى اليوم.
وإذا كانت النظرة إلى هذه الجائحة على أنها مشكلة صحية عالمية، فإن آثارها الكبيرة والخطيرة لم تقف فقط عند إغلاق الدول، وتوقف التواصل العالمي، وإفلاس الشركات، وفقدان الوظائف، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستوى الخدمات المقدمة للأفراد في بعض دول العالم، بل أدت إلى ارتفاع حالات الغضب الشعبي، وتنامي الاحتجاجات التي تهدد الأمن والاستقرار، والتي صاحبتها ممارسات خارجة عن القانون، كالسرقة ونهب المؤسسات بالقوة، لا سيما المؤسسات الغذائية والدوائية، وهنا برزت مهام وأعباء جديدة على عاتق الأجهزة الأمنية، فلم يعد دورها مقتصرا على التصدي للجريمة التقليدية، بل أصبحت مضطرة إلى أن تشارك بفعالية لمواجهة التهديد الجديد للأمن بمفهومه الواسع.
بل إن بعض دول العالم قد اضطرت إلى الاستعانة بجيوشها للمساعدة في مواجهة الجائحة، مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، والأردن، وتونس، وغيرها.
فقد أظهرت هذه الجائحة خللا كبيرًا في المنظومة الصحية للعديد من دول العالم، التي وقفت عاجزة عن تقديم خدمات الرعاية الصحية لمواطنيها، في ظل تراجع دور الدولة في تقديم هذه الخدمات الحيوية التي تمس مصلحة وحياة المواطن بشكل مباشر ورئيسي، بينما كان الوضع أفضل حالا في دول العالم، التي تشرف فيها الحكومات بشكل مباشر على هذه الخدمات، فجمهورية الصين مثلا، وعلى الرغم من أن الوباء قد بدأ منها، وهدد حياة الملايين من الصينيين في أولى تجارب التصدي للوباء، فإنها قد تمكنت من احتوائه والحد من انتشاره بدرجة كبيرة، بل إن الأمر قد وصل إلى تقديم مساعداتها لبعض دول العالم التي يبدو أنها متطورة في منظومتها الصحية.
وكذلك الحال بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تمكنت من السيطرة على تداعيات الجائحة وتقديم الخدمات الصحية لجميع السكان بأرقى المعايير العالمية، وبادرت إلى مد يد العون إلى العديد من دول العالم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك العديد من التحديات الأمنية المستقبلية التي تواجه العالم، ومنها انتشار المخدرات الصناعية، وتنوع طرق التهريب والترويج لها، وجرائم غسل الأموال، وظهور المَركبات ذاتية القيادة، وتهديدات الطائرات المسيّرة، وانتشار الأوبئة والأمراض على نطاق واسع.
ثانيًا: تطلعات مستقبلية
في دراسة بحثية لمركز دعم اتخاذ القرار في القيادة العامة لشرطة دبي تضمنت إلقاء الضوء على بعض الجرائم المحتملة التي يمكن أن تحدث في العالم في المستقبل طبقا لتوقعات الخبراء والباحثين ومراكز الدراسات الأمنية والمجلات العلمية، ونتائج الدراسات الاستشرافية الأمنية في عدد من دول العالم، فقد وُجد أن الجريمة التقليدية التي نعرفها اليوم سوف يحل محلها جزء كبير من الجرائم السيبرانية أو الجرائم التي تعتمد على وجود شبكات الاتصالات والمعلومات.
وفي خلال الـ20 سنة المقبلة من الممكن أن تكون هذه الجرائم متمثلة في القرصنة الإلكترونية، والاعتداء السيبراني، والابتزاز السيبراني، والإرهاب السيبراني، والبرامج الضارة بصحة الإنسان، والاستغلال والتحكم في السيارات، والهجمات النقدية، وسرقة الهوية، والانقطاعات الجزئية في مصادر الطاقة، والسوق السوداء للمعلومات وغيرها.
وأمام كل هذه الأنواع من الجرائم فقد صار لزامًا على دول مجلس التعاون أن يكون لديها مجموعة من التطلعات لمواجهة هذا التطور القادم في الجريمة، ما يجعلنا نتطلع إلى القادم ولا نكتفي بالتعامل مع الحاضر.
ومن هذه التطلعات:
-التفكير العميق في مسألة الأمن لمرحلة ما بعد “كوفيد-19″، اعتمادًا على الدروس المستفادة من الجائحة وأساليب التعامل معها، واعتبار انتشار الأوبئة تهديدًا جادًّا للأمن في جميع دول العالم.
-أهمية أن يعي العالم أن الأمن لم يعد مقصورًا على حدود الدول، بل إن الجريمة أصبحت عالمية، ولا بد من تفعيل دور منظمة الشرطة الجنائية الدولية لزيادة وتيرة التعاون بين أجهزة الشرطة في جميع دول العالم.
-ترسيخ الأمن بمفهومه الواسع، فكل القطاعات يؤثر بعضها في بعض، فليس هناك أمن داخلي دون أمن اقتصادي أو أمن غذائي أو أمن سياسي أو أمن عسكري، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نتصور أمنًا اجتماعيًّا دون أمن داخلي، ولذلك فالأمن عبارة عن منظومة متكاملة يتعاون فيها الجميع.
-المزيد من التعاون بين الأجهزة الأمنية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من حيث تبادل المعلومات والخبرات وتكثيف الزيارات والاطلاع على أفضل الممارسات العالمية، وتفعيل عمليات التواصل مع الأجهزة الأمنية الدولية وإقامة شراكات فعالة معها.
-أن تقوم جميع الجهات الحكومية، وحتى القطاع الخاص، في دول المجلس بالتصدي للأفكار الدخيلة، التي تغزو المجتمعات، وأن يقوم كلٌّ من موقعه بالعمل على تحصين الناشئة وحمايتهم من هذه الأفكار.
الخلاصة: هناك مستوى كبير من التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مجال الأمن، وقد أسهم هذا في تصدّر هذه الدول العديد من المؤشرات الأمنية، ليس فقط على مستوى المنطقة، وإنما على مستوى العالم أيضًا.
ومع ذلك، فإن التحديات القائمة والمتوقعة، ولا سيما الجديدة منها خاصة الجرائم الإلكترونية أو تلك التي قد تتسبب الأوبئة فيها، فضلا عن الأفكار المتطرفة، هذه التحديات توجب المزيد من التعاون، ليس فقط بين الأجهزة الأمنية لهذه الدول، ولكن مع دول العالم الأخرى، حيث تعقدت الجرائم العابرة للحدود، ولم يعد من السهل التعامل معها ومواجهتها بجهود فردية أو محلية، بل لا بد من مستوى أعلى من التنسيق، ليس فقط إقليميًّا، بل وعالميًّا أيضًا.
نقلا عن “تريندز”