المغرب العربي

“الترتيبات المؤقتة”: هل هي الحل لأزمة المصرف المركزي الليبي؟


ما زالت أزمة رئيس المصرف المركزي الليبي مشتعلة وسط إرهاصات قد تفضي إلى حل قريب.

فقد أعلن ممثلا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين في مفاوضات أزمة مصرف ليبيا المركزي، الاتفاق على ترتيبات مؤقّتة، تكفل تسيير أعمال المصرف، إلى حين تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين، وهو ما قُوبل بترحيب وأسف في آن واحد من جانب الأمم المتحدة.

جاء هذا عقب انعقاد جولة جديدة للمشاورات بين ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي، لبحث سبل حل أزمة المصرف برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في مقر البعثة، بالعاصمة طرابلس، الأربعاء.

وأفادت مصادر ليبية نيابية بأن الاجتماعات تنعقد بالتوازي بنفس طريقة الاجتماع السابق بين أطراف الأزمة الثلاثة، إذ يجتمع ممثلو مجلسي النواب والدولة مع البعثة الأممية بشكل منفصل، وممثل المجلس الرئاسي مع البعثة من جهة أخرى.

ترتيبات مؤقّتة

وقال ممثلا مجلسي النواب والدولة، في بيان لهما، إن الترتيبات المُتفق عليها بين المجلسين تتضمّن العمل على تسمية محافظ جديد للمصرف المركزي، على أن يقترح المحافظ أعضاء مجلس الإدارة في فترة 10 أيام من تاريخ تسلم مهامه.

وأشار إلى أنه تم الاتفاق على توخّي معايير المهنية والكفاءة والنزاهة في كل من يتولون مسؤوليات داخل مصرف ليبيا المركزي، ومواصلة المشاورات مع بقية أعضاء المجلسين، بهدف إنهاء الأزمة، وفق مقتضيات الاتفاق السياسي الموقع بين القوى السياسية الليبية.

وكانت البعثة قد أكدت يوم الأربعاء الماضي، أن المجتمعين من ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة أحرزوا تقدما في المحادثات، واتفقوا بشأن المبادئ العامة الناظمة للمرحلة المؤقتة التي ستسبق تعيين محافظ ومجلس إدارة المصرف، كما اتفقا على استئناف مشاوراتهما للتوصل إلى صيغة اتفاق نهائية.

وتصاعدت الخلافات بين مجلسَي النواب والدولة من ناحية، والمجلس الرئاسي من ناحية أخرى، منذ قرار “الرئاسي” (وهو جزء من السلطة التنفيذية ومقره طرابلس) في أغسطس/آب الماضي، بإقالة محافظ المصرف، الصديق عمر الكبير، وتعيين محافظ آخر، وهو ما رفضه مجلسا النواب والدولة اللذان اعتبرا أمر الإقالة والتعيين من اختصاصهما، وليسا من اختصاص “الرئاسي” الذي اتخذ قراره بصفة “أحادية”.

ونجم عن الأزمة ارتباك في المعاملات المصرفية الليبية، وغلق حقول النفط ووقف التصدير؛ ما يهدد اقتصاد البلاد المعتمدة 95% من ميزانيتها على النفط الذي تنتج منه نحو مليون و300 ألف برميل نفط يوميا.

ضبابية الفترة المؤقتة

وفي قراءة أولية للبيان، اعتبر المحلل السياسي والاقتصادي الليبي، أيوب الأوجلي، أن بيان ممثلي مجلسي النواب والدولة “كان فضفاضا” في حديثه عن الترتيبات المؤقّتة وتيسير أعمال المصرف، إلى حين تعيين مجلس إدارة جديد، دون تحديد ما إن كان المقصود خلال هذه الفترة المؤقّتة عودة المحافظ السابق الصديق الكبير، أم استمرار اللجنة المؤقتة المكلفة من المجلس الرئاسي في تسيير الأعمال.

وقال إنه “في حال استمرار اللجنة المكلفة من المجلس الرئاسي، فإن هذا سيشكل خطرا كبيرا على مستقبل الأزمة السياسية في ليبيا؛ حيث سيظن المجلس الرئاسي أنه استطاع أن يفرض وجهة نظره وقراراته الأحادية دون اختصاص”.

أما عودة الصديق الكبير لحين الاتفاق على محافظ، فقد رأى الأوجلي إنها ربما تكون هي الصيغة الأفضل في هذه المرحلة، مضيفا: “وهنا لا نتحدّث عن شخص الصديق، لكن عن تدخل المجلس الرئاسي في غير اختصاصاته، والرسالة التي يرسلها للجميع في الداخل والخارج”.

وعن بقية النقاط التي وردت في البيان، خاصة عبارة “استمرار المشاورات الرامية إلى إنهاء الأزمة”، قال المحلل الليبي إنها “تعني أنه لا يوجد اتفاق نهائي، وأن مجلسَي النواب والدولة اتفقا فقط من جانبهما على ضرورة بقاء الصديق الكبير، ويريدان أن يضغطا على المجلس الرئاسي لسحب قراره غير الملزم”.

الرئاسي “مستعدّ للتراجع”

على الجانب الآخر، أكد مستشار رئيس المجلس الرئاسي وممثل المجلس في المحادثات المنفصلة والمتوازية التي ترعاها البعثة الأممية حول أزمة المصرف المركزي، زياد دغيم، أن “الرئاسي” سيرحّب بكل ما يتفق عليه مجلسا النواب والدولة، بخصوص انتخاب محافظ جديد للمركزي، وبشكل توافقي، قبل انتهاء المهلة المتفق عليها، وهي 3 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وذلك في إشارة لاستعداد “الرئاسي” للتراجع عن قراره الذي أشعل الأزمة.

وأضاف في تصريحات له، تعليقا على البيان، أن “الرئاسي” أكد للبعثة التزامه الدقيق بقرارات مجلس الأمن الدولي، والانفتاح على رعاية البعثة الأممية لنقاش مباشر مع مجلس النواب، لوضع آليات تضمن إلغاء كل القرارات الأحادية الصادرة بالمخالفة للاتفاق السياسي وخارطة الطريق.

أسف أممي وتحذير

وفي السياق، رحّبت البعثة الأممية للدعم في ليبيا بالتقدّم المحرز بشأن المبادئ والمعايير والآجال التي ينبغي أن تنظّم الفترة الانتقالية المؤدية إلى تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين للمصرف المركزي “غير أنها تتأسف، لأن الطرفين لم يتوصّلا بعدُ إلى اتفاق نهائي”.

وذكّرت البعثة في بيان لها، نشرته على حسابها في منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي، الخميس، جميع الأطراف الليبية “بمسؤوليتها عن معالجة هذه الأزمة على وجه السرعة، كون استمرارها ينطوي على مخاطر جسيمة على الليبيين وعلى علاقات ليبيا مع شركائها الدوليين، كما تدعو الأطراف إلى إعطاء الأولوية لمصلحة ليبيا العليا وإخراج المصرف المركزي من دائرة الصراعات السياسية”.

كما جدّدت البعثة التأكيد على أن “القرارات الأحادية التي اتخذتها جميع الأطراف، في مختلف أنحاء البلاد، من شأنها تقويض الثقة بين الأطراف السياسية والأمنية، وتكرّس الانقسامات المؤسسية”.

وأكدت أن الحوار الهادف والشامل “هو السبيل الوحيد لتحقيق التوافق بين الليبيين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى