الجيش اللبناني: التحريض على الاحتجاج ضد قرار حصر السلاح يهدد الأمن

أطلق الجيش اللبناني تحذيرا شديد اللهجة اليوم السبت من تعريض أمن البلاد للخطر من خلال “تحركات غير المحسوبة” قد تزعزع الاستقرار الهش، في ظل تصاعد التوتر على خلفية دعوات للتظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد قرار الحكومة المتعلق بسلاح حزب الله، فيما تزامن هذا التطور مع مقتل ستة عسكريين في انفجار أثناء إزالة ذخائر داخل منشأة تابعة للجماعة الشيعية.
ويأتي هذا التحذير بعد خروج مناصري حزب الله وحركة أمل في لبنان، لليوم الثالث على التوالي، الجمعة، بمسيرات احتجاجية بواسطة السيارات والدراجات النارية رفضا لاتخاذ الحكومة قرارا بـ”حصر السلاح” بيد الدولة والموافقة على “أهداف” الورقة الأميركية.
وقالت مديرية التوجيه بقيادة الجيش اللبناني، في بيان، السبت “ظهرت دعوات من قبل أفراد عبر مواقع التواصل الاجتماعي للقيام بتحركات احتجاجية، ونشر مقاطع فيديو مفبركة تهدف إلى إثارة التوتر بين المواطنين”.
وحذرت قيادة الجيش “المواطنين من تعريض أمن البلاد للخطر من خلال تحركات غير محسوبة النتائج”.
وأكدت أن “الجيش، إذ يحترم حرية التعبير السلمي عن الرأي، لن يسمح بأي إخلال بالأمن أو مساس بالسلم الأهلي، أو قطع الطرقات أو التعدي على الأملاك العامة والخاصة”.
كما أكد الجيش اللبناني “ضرورة تحلّي المواطنين وجميع الفرقاء بالمسؤولية في هذه المرحلة الصعبة، وأهمية وحدتهم وتضامنهم بهدف تجاوز الأخطار المحدقة ببلدنا”.
وقرار الحكومة اللبنانية الذي لقي ترحيبا دوليا واسعا، أشعل من جديد نقاشا داخليا حول سلاح حزب الله، وأعاد إلى الواجهة الانقسامات العميقة التي تعصف بالبلاد.
وتبرز هذه الأحداث، من خلال التجييش الرقمي والميداني، تحديا جديدا لسلطة الدولة وتأكيدا على أن ملف السلاح يبقى خطًا أحمر لدى الحزب، خارج أي إمكانية للحسم السياسي أو الأمني.
وجاءت التحركات الميدانية بعد موافقة مجلس الوزراء اللبناني، الثلاثاء الماضي، على تكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية عام 2025.
وتزامن هذا القرار مع موافقة مجلس الوزراء اللبناني الخميس على “أهداف” ورقة المبعوث الأميركي توماس باراك، بشأن “تعزيز” اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان واسرائيل، وتزامن ذلك مع انسحاب 4 وزراء “شيعة” من الجلسة الحكومية.
وأثار هذا القرار ردود فعل قوية من حزب الله وحركة أمل، حيث اعتبر حزب الله أن حكومة نواف سلام ارتكبت “خطيئة كبرى” باتخاذ قرار حصر السلاح بيد الدولة بما فيها سلاح الحزب، مؤكدا أنه “سيتجاهل” القرار، وبالمثل، قالت “حركة أمل” التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، في بيان، إنه كان حريا بالحكومة “ألا تستعجل” تقديم مزيد من “التنازلات المجانية للعدو الإسرائيلي باتفاقات جديدة (في إشارة لقرار مجلس الوزراء)”.
وأدى هذا الرفض القاطع من قبل الحزبين إلى خروج أنصارهما في مسيرات احتجاجية بالدراجات النارية والسيارات في جنوب لبنان، مما أثار مخاوف من تدهور الوضع الأمني.
وقالت وكالة الإعلام اللبنانية الرسمية مساء الجمعة إنه “لليوم الثالث على التوالي، انطلقت مسيرات لدراجات نارية وسيارات في مدينة النبطية وبلداتها المحيطة تحمل أعلام حركة أمل وحزب الله وإيران”.
وأضافت الوكالة أن المسيرات جابت الشوارع الرئيسية للمدينة وهي تبث الأناشيد والشعارات المؤيدة لـ”حزب الله”.
وفي بلدة الغازية قضاء الزهراني (جنوب)، ذكرت الوكالة أن بعض الشبان تجولوا عبر الدراجات النارية رافعين شعارات مؤيدة لـ”حزب الله” ورافضة للقرار الحكومي بشأن حصر السلاح بيد الدولة.
وترافق الرفض الميداني مع حملة خطابية مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جدد جمهور حزب الله التأكيد على أن “السلاح خط أحمر”، إذ امتلأت الصفحات بمقاطع أرشيفية لخطابات الأمين العام السابق للحزب حسن نصرالله، التي تؤكد أن “المقاومة وسلاحها فوق أي نقاش داخلي”.
كما ظهر في منشورات كثيرة استخفاف واضح بالخطاب الرسمي للحكومة اللبنانية، واتهامه بالعجز أو التواطؤ، وصولا إلى حد التشكيك في نياته، واعتبار أي دعوة إلى تنظيم السلاح أو إخضاعه لسلطة الدولة مجرد “غطاء” لمشاريع خارجية، وهو ما يذكر بحملات رقمية سابقة سبقت أحداثا مفصلية مثل أحداث 7 مايو 2008 واحتجاجات 17 أكتوبر 2019.
وحضرت لغة التخوين أيضا مع توجيهها إلى خصوم الحزب السياسيين، وإلى كل من يطرح فكرة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، مع وصف أولئك بأنهم “أدوات” في خدمة “المحور الأميركي-الإسرائيلي”.
ومنذ العام 2005، حاولت الحكومات اللبنانية المتعاقبة، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، طرح مسألة السلاح على طاولة الحوار الوطني، أو عبر مبادرات تفاوضية، إلا أن جميع هذه المحاولات اصطدمت برفض الحزب، وبخطاب تعبوي مماثل لما يتداول على المنصات الرقمية، ما جعل ملف السلاح ثابتا في موقعه، خارج أي إمكانية للحسم السياسي أو الأمني.
ويرى مراقبون أن الحزب، في السنوات الأخيرة، زاد اعتماده على وسائل التواصل الاجتماعي لتعويض تقلص حضوره أو ضعف تأثيره في بعض المساحات الإعلامية التقليدية، سواء بسبب الاستقطاب السياسي أو التحولات في سوق الإعلام.
وهذه المنصات تمنحه سرعة في التعبئة، وقدرة على الوصول المباشر إلى جمهوره، من دون المرور عبر فلاتر تحريرية، ما يسمح له بفرض روايته في لحظات الأزمات، وبإغراق الفضاء الرقمي بمحتوى مؤيد يخلق انطباعا بوجود إجماع شعبي داخل بيئته حول السلاح ودوره.
وتأتي هذه الأزمة في وقت يمر فيه حزب الله بفترة حساسة بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي استمرت من أكتوبر 2024، حيث خرج الحزب منهكًا من هذه المواجهة، مع مقتل عدد كبير من قادته وتدمير جزء كبير من ترسانته.
ورغم وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل شن ضربات على مناطق لبنانية، مما يؤكد استمرار التوتر وعدم الاستقرار. وتزيد هذه التحديات من حساسية ملف السلاح وتضع الحكومة اللبنانية أمام اختبار صعب لتحقيق الاستقرار والأمن، في ظل انقسام داخلي عميق وتدخلات خارجية.
وفي سياق متصل قتل ستة عسكريين اليوم السبت بانفجار أثناء إزالة ذخائر داخل منشأة عسكرية تابعة لحزب الله في جنوب لبنان. ولم يصدر الجيش الذي يفكك بالتعاون مع قوة الامم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان “يونيفيل” مواقع تابعة للجماعة الشيعية أي بيان بعد بشأن الحادثة.
واطلع رئيس الجمهورية جوزيف عون، وفق بيان عن الرئاسة، من قائد الجيش العماد رودولف هيكل “على ملابسات الحادثة الأليمة التي وقعت في منطقة مجدل زون – وادي زبقين في قضاء صور وادّت إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى العسكريين نتيجة انفجار ذخائر بوحدة من فوج الهندسة في الجيش في اثناء عمل أفرادها على سحبها وتعطيلها”.
وقال رئيس الحكومة نواف سلام على إكس “بكثير من الألم يزف لبنان ابناء جيشنا الباسل الذين ارتقوا شهداء في الجنوب، وهم يؤدّون واجبهم الوطني”.
وأعلن المتحدث باسم القوة الدولية المنتشرة في جنوب لبنان أندريا تيننتي الخميس أن قواته بالتنسيق مع الجيش اللبناني اكتشفت شبكة واسعة من الأنفاق المحصّنة قرب الناقورة في المنطقة الحدودية.
وفي وقت لاحق، قال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق إنه تم العثور على “سبعة أنفاق محصّنة وثلاثة مخابئ ومدفعية وراجمات صواريخ، ومئات القذائف والصواريخ المتفجرة وألغام مضادة للدبابات وحوالي 250 عبوة ناسفة بدائية الصنع جاهزة للاستخدام”.
وكانت المنطقة الحدودية معقلا لحزب الله الذي لم يخف حفره أنفاقا فيها لسلاحه ومقاتليه. وفي يونيو/حزيران، أعلن سلام أن الجيش اللبناني فكّك منذ وقف إطلاق النار أكثر من 500 موقع ومخزن سلاح.