تسارع الأحداث في أفغانستان جعل الأخبار الواردة من هذه الدولة المنسية تطغى على الأخبار كافة في مختلف وسائل الإعلام العربية والغربية.
ولأن أمريكا وحلفاءها دخلوا أفغانستان قبل عشرين عاماً تقريباً -على خلفية أحداث 11 سبتمبر الإرهابية- فإن إعلان الرئيس جو بايدن سحب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية بهذه الطريقة جعل الغموض يلف المشهد.
والأمر ذاته انعكس على تقارير المخابرات الأمريكية والأفغانية وبعض دول حلف الناتو، بما يخص المدة الزمنية المتوقعة لسيطرة “طالبان” على العاصمة كابول، لكن هذه السيطرة كانت أسرع بكثير من كل التوقعات.
السياق، الذي مشت به “طالبان”، كان مختلفاً تماماً فيما يتعلق بزحفها العسكري نحو المدن، فالحركة ذهبت أولاً إلى مدينة “جلال آباد”، عاصمة ولاية “بلخ” الاستراتيجية الشمالية، وبعد ذلك توجهت لدخول كابول.
وقد كانت الحركة قد فعلت الأمر بطريقة معكوسة عام ١٩٩٦، حين اقتحمت كابول ثم حاولت لمرات دخول مدينة “جلال آباد”، وهذا الأمر مرتبط بأهمية هذه المدينة لقومية “الطاجيك” الأفغان.
والأخبار التي تتحدث عن استمالة “طالبان” لعدد كبير من شيوخ القبائل وزعماء القوميات في عدد من المدن والولايات، هو حديث منطقي تمت ترجمته على أرض الواقع من خلال سهولة سيطرة “طالبان” على أهم المدن والمناطق الحساسة.
السؤال الأكبر الآن: هل طالبان اليوم تختلف عن طالبان الأمس؟ وماذا عن حقوق المرأة الأفغانية؟ وماذا عن حق التعليم هناك؟ وماذا عن الحريات التي تمتع بها الأفغان على مدى سنوات الوجود الأمريكي بحسب البعض؟
كل تلك الأسئلة ستتكفل ممارسات “طالبان” بالإجابة عنها خلال الأيام المقبلة، لأن الحركة تسلمت السلطة بشكل كامل، وأصبحت تحكم البلد من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.
وحديث الغرب، والأوربيين تحديداً، عن آلية الاعتراف بحكم “طالبان” أمر تعتريه شكوك كثيرة، لأن مصالح الدول في أفغانستان ربما تتعارض بشكل واضح مع توجهات الصين، التي لديها علاقة جيدة بحركة “طالبان”.
والعامل السياسي يفرض نفسه من زاوية الجار الغربي لأفغانستان، إيران، التي فتحت قنوات التواصل مع حركة طالبان منذ مدة طويلة، وقالت إن “طالبان” تعهدت لها بحماية بعثاتها الدبلوماسية في “مزار شريف” و”كابول”، لكن “طالبان” بحكم تكوينها وتوجهها ربما تمثل حالة من القلق والترقب لمختلف دول المنطقة والعالم.
فهناك قلق مثلا من أن أفغانستان ستكون أرضاً مفتوحة لوجود متطرفين يحملون أفكاراً انتقامية من الآخر، ولعل الدول الغربية لن تكون معنية بشكل كبير فيما يحدث داخل أفغانستان بُعيد وصول “طالبان” إلى الحكم، كتلك الدول العربية القريبة جغرافياً من جديد الأحداث، وتنشد في جوارها الاستقرار والسلام والحوار.