الشرق الأوسط أمام مرحلة جديدة.. متغيرات سياسية واقتصادية تعيد رسم المشهد

توحي التغييرات الناجمة عن الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط من حربي غزة ولبنان وتراجع قوة حماس وانحسار نفوذي حزب الله اللبناني وحاضنته ايران، بنشأة معادلات جديدة تشمل تعاف اقتصادي وانتهاء أزمات مالية أو أقلها تراجع حدتها في عدد من دول المنطقة.
وبدأت التغييرات التاريخية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في جذب المستثمرين الدوليين الذين يلمحون مؤشرات بدأت تلوح في الأفق على السلام النسبي والتعافي الاقتصادي بعد ذلك الكم الهائل من الاضطرابات.
-
بداية النهاية: كيف تسعى إسرائيل لإنهاء الصراع في غزة ولبنان؟
-
التداعيات الإنسانية لحربي غزة ولبنان تعزز عزلة إسرائيل دوليًا
ربما كان اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة مربكا وصادما، إلا أن وقف إطلاق النار الهش في القطاع الفلسطيني، والإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وضعف إيران والحكومة الجديدة في لبنان، كل تلك الأحداث والتطورات تنعش الآمال في استقامة الأوضاع وإعادة الأمور، مرة أخرى، لنصابها.
وتمكنت مصر، وهي الدولة الأكبر في المنطقة من حيث عدد السكان والمفاوض الرئيسي في محادثات وقف إطلاق النار، من بيع أول سندات دولية مقومة بالدولار منذ أربع سنوات. وقبل وقت ليس ببعيد، كانت تواجه شبح الانهيار الاقتصادي.
-
الأكاذيب والتقييمات الخاطئة: تأثير الإخوان على الصراعات في غزة ولبنان
-
من دمشق: عراقجي يعلن عن مبادرات لوقف الحرب في غزة ولبنان
وبدأ المستثمرون في شراء سندات إسرائيل مرة أخرى، وكذلك سندات لبنان، مراهنين على أن بيروت يمكن أن تبدأ أخيرا في علاج أزماتها السياسية والاقتصادية والمالية المتشابكة.
وقال تشارلي روبرتسون محلل الأسواق الناشئة المخضرم لدى شركة إف.آي.إم بارتنرز “الأشهر القليلة الماضية غيرت الكثير في شكل المنطقة وأدخلت حيوية مختلفة للغاية في سيناريو هو الأفضل”.
وأضاف أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتعلق بما إذا كانت خطة ترامب بالنسبة لغزة ستؤجج التوتر من جديد.
وقوبل اقتراح ترامب “تنظيف” غزة وإنشاء “ريفييرا الشرق الأوسط” في القطاع بإدانة دولية.
-
مبادرة أمريكية جديدة: واشنطن تسعى لوقف التصعيد في غزة ولبنان
-
ما وراء تصعيدات حركة حماس للعنف في غزة ولبنان؟
وأشارت وكالة ستاندرد اند بورز غلوبال للتصنيفات الائتمانية إلى أنها ستزيل تحذير خفض تصنيف إسرائيل إذا استمر وقف إطلاق النار. وهي تقر بوجود صعاب وتعقيدات، لكنه احتمال موضع ترحيب في وقت تستعد فيه إسرائيل لأول بيع كبير للديون منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال مايكل فيرتيك، وهو مستثمر أميركي في مشروعات عالية المخاطر والرئيس التنفيذي لشركة (موديل كود دوت إيه.آي) للذكاء الاصطناعي، إن انحسار التوتر ساهم في اتخاذه قرارا بفتح فرع في إسرائيل.
ويطمح إلى توظيف مبرمجين محليين مهرة، لكن الوضع الجيوسياسي يلعب دورا أيضا. وقال “مع وجود ترامب في البيت الأبيض، لا أحد يشك في أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في القتال”، موضحا كيف يوفر هذا قدرة على التنبؤ حتى لو اشتعلت الحرب مجددا.
-
خطة ترامب بشأن غزة: كيف ينظر القانون الدولي إلى التهجير القسري؟
-
هل تُجهض خطة ترامب بشأن غزة مسار التطبيع بين الرياض وتل أبيب؟
وتظهر بيانات البنك المركزي أن المستثمرين في السندات بدأوا يعودون أيضا بعد أن ظلوا بعيدين بشكل كبير عندما زادت إسرائيل إنفاقها على الحرب.
وقال وزير الاقتصاد نير بركات في مقابلة الشهر الماضي إنه سيسعى للحصول على حزمة إنفاق أكثر سخاء تركز على “النمو الاقتصادي الجريء”.
لكن العقبة أمام مستثمري الأسهم هي أن إسرائيل كانت واحدة من أفضل الأسواق أداء في العالم خلال الثمانية عشر شهرا التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ولكنها في تراجع منذ وقف إطلاق النار، الذي تزامن مع عمليات بيع كبيرة في قطاع التكنولوجيا بالولايات المتحدة.
-
ترامب وإسرائيل يقترحان 10 دول وإقاليم كـ ‘أوطان بديلة’ لسكان غزة
-
البنتاغون: مستعدون لدراسة جميع خيارات ترامب بشأن غزة
وقالت سابينا ليفي رئيسة الأبحاث في ليدر كابيتال ماركتس في تل أبيب “خلال عام 2024، أعتقد أننا علمنا أن السوق لا تخشى الحرب حقا بل الصراع السياسي الداخلي والتوترات”. وأضافت أنه إذا انهار وقف إطلاق النار “فمن المعقول أن نفترض رد فعل سلبيا”.
في الواقع، كان رد فعل بعض المستثمرين سيئا تجاه مقترح ترامب الصادم بشأن غزة.
وقال يرلان سيزديكوف رئيس قسم الأسواق الناشئة لدى أموندي، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا، إن شركته اشترت سندات مصرية بعد اتفاق وقف إطلاق النار لكن خطة ترامب التي تتوقع استقبال مصر والأردن مليوني لاجئ فلسطيني دفعت الشركة إلى تغيير موقفها.
-
ترامب يقترح حلاً مثيراً للجدل.. سيطرة أميركية على غزة وتهجير سكانها
-
إسرائيل تضيق الخناق على حزب الله.. ولبنان ينتظر نجاح جهود الهدنة
واعترضت الدولتان على فكرة ترامب لكن الخطر يكمن، حسبما أوضح سيزديكوف، في أن يستغل الرئيس الأميركي اعتماد مصر في التسليح القوي للبلاد على الدعم الذي توفره العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك مساندة صندوق النقد الدولي، في ظل أزمة اقتصادية كبرى مرت بها مصر في الآونة الأخيرة.
ولا يزال الحد من هجمات مسلحي جماعة الحوثي في اليمن على السفن في البحر الأحمر أمرا بالغ الأهمية أيضا. فقد خسرت مصر سبعة مليارات دولار، أي ما يتجاوز 60 بالمئة من إيرادات قناة السويس، في العام الماضي مع تحويل شركات الشحن مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول قارة أفريقيا درءا لمخاطر تعرضها لهجمات.
وقال سيزديكوف “ليس من المرجح أن ترحب الأسواق بفكرة خسارة مصر لهذا الدعم (الثنائي ومتعدد الأطراف)، ونحن نتخذ موقفا أكثر حذرا لنرى كيف ستتطور هذه المفاوضات”.
-
إجراءات استباقية في الجامعات الأمريكية لمنع تكرار مظاهرات غزة
-
مهلة عراقية للبنانيين لمغادرة البلاد.. ما أسباب القرار؟
ويتوقع آخرون أن تكون إعادة بناء المنازل والبنية التحتية التي تعرضت للقصف في سوريا وأماكن أخرى فرصة لشركات البناء ذات الوزن الثقيل في تركيا.
وقال مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إن إعادة إعمار غزة ربما تستغرق ما بين 10 أعوام و15 عاما. وفي الوقت نفسه، يقدر البنك الدولي الأضرار التي لحقت بلبنان بنحو 8.5 مليار دولار، أي ما يقرب من 35 بالمئة من ناتجه المحلي الإجمالي.
وارتفعت السندات الحكومية اللبنانية بما يزيد على المثلين عندما أصبح من الواضح في سبتمبر/ أيلول أن قبضة جماعة حزب الله في لبنان تضعف، وواصلت الارتفاع مع تفاؤل الأسواق بمعالجة أزمة البلاد.
-
لبنان يتهم إسرائيل بالمماطلة في الانسحاب من الجنوب
-
لبنان يحتج على انتهاكات إسرائيلية: خطف جنود وتغيير معالم “الخط الأزرق”
وستكون وجهة الرئيس اللبناني الجديد جوزاف عون، في أول زيارة رسمية للخارج، هي السعودية التي يُنظر إليها على أنها داعم رئيسي محتمل. ومن المرجح أن الرياض سترى في ذلك فرصة لإبعاد لبنان عن مجال النفوذ الإيراني.
ويقول حملة السندات إن هناك اتصالات أولية مع السلطات الجديدة أيضا. وأفادت ماجدة برانيت رئيسة قسم الدخل الثابت للأسواق الناشئة لدى أكسا إنفستمنت ماندجرز “قد تحدث أمور هامة بالنسبة للبنان في عام 2025 إذا أحرزنا تقدما نحو إعادة هيكلة الديون”، لكنها أضافت أن الأمر لن يكون سهلا.