حصري

الشلل السياسي في بورتسودان.. انعكاس لفشل السلطة وتجاهل معاناة المدنيين


لم يعد ما يجري في بورتسودان مجرد أزمة عابرة في مسار تشكيل حكومة بقيادة كامل إدريس، بل تحوّل إلى مؤشر خطير على عمق التصدّعات داخل السلطة. فالفشل المتكرر في التوصل إلى صيغة حكومية متوافق عليها يعكس حالة من الجمود السياسي الذي يهدد مستقبل الاستقرار في السودان برمّته.

فشل التشكيل.. عجز لا يمكن إخفاؤه

الفشل الحكومي في بورتسودان لا يمكن اختزاله في شخص كامل إدريس، بل هو انعكاس لبنية سلطة متصدعة غير قادرة على إنتاج حلول واقعية. ومع تعثر المشاورات وتعاظم الخلافات بين القوى المؤثرة، بدا واضحًا أن الأزمة تجاوزت حدود المناورات السياسية لتتحول إلى شلل يطال مؤسسات الدولة ويضعف ثقة المواطنين في إمكانية التغيير.

إقالة وزير التربية.. صراع مع الحقيقة

إقالة وزير التربية جاءت في توقيت حساس، ما جعلها تبدو وكأنها محاولة للهروب من مواجهة الحقائق المرة المتعلقة بتجنيد الأطفال. إن اتخاذ مثل هذه القرارات في غياب الشفافية يكرّس صورة سلطة تحاول التغطية على الانتهاكات بدل معالجتها، وهو ما يضاعف من فقدان المصداقية داخليًا وخارجيًا.

تجنيد الأطفال.. خط أحمر دولي

على المستوى الحقوقي، يُعتبر تجنيد الأطفال والزج بهم في العمليات العسكرية جريمة حرب مكتملة الأركان. غير أن خطورة هذه الجريمة تتجاوز بعدها القانوني لتصل إلى بعدها الإنساني والاجتماعي؛ إذ إنها تعني فقدان جيل كامل لحقه في التعليم والأمان، وتحويله إلى وقود في نزاعات داخلية لا تخدم مستقبله ولا مستقبل السودان.

الجيش والرهان الخاطئ

اعتماد الجيش على سياسة تجنيد الأطفال في بورتسودان يكشف عن رهان خاطئ وخطير. فبدلاً من العمل على حماية المدنيين وتعزيز الأمن، اختار الجيش توظيف الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، ما يعكس أزمة أخلاقية وقيمية قبل أن تكون أزمة عسكرية.

خلافات البرهان والإخوان.. بعد إضافي للأزمة

في خلفية المشهد، يبرز الخلاف بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان وتنظيم الإخوان المسلمين، بعد توقف التمويل العسكري للحركات الإسلامية. هذا التحول عكس توجهًا استراتيجيًا من البرهان نحو مسار السلام، لكنه في المقابل فتح جبهة صراع جديدة مع الإسلاميين الذين كانوا تاريخيًا جزءًا من تركيبة السلطة. هذه الخلافات أضافت طبقة جديدة من التوترات فوق أزمة بورتسودان، مما جعل الوضع أكثر هشاشة وتعقيدًا.

أزمة متعددة الأبعاد

يمكن القول إن بورتسودان تعيش اليوم أزمة متعددة الأبعاد:

  • أزمة سياسية تتمثل في فشل التشكيل الحكومي.

  • أزمة حقوقية بسبب انتهاك الطفولة وتجنيد الأطفال.

  • أزمة ثقة ناتجة عن محاولات التعتيم وإخفاء الحقائق.

  • أزمة بنيوية في العلاقة بين الجيش والإسلاميين.

هذه التحديات مجتمعة تضع السودان أمام مفترق طرق خطير: إما الدخول في مسار إصلاحي جاد يستجيب لمطالب الشعب، أو الانزلاق أكثر نحو الفوضى والتفكك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى