كل أشكال العنف، اللفظي والجسدي، المعنوي والمادي، منبوذة في كافة الأعراف والأديان والثقافات.
فالفطرة الإنسانية تميل إلى السلام وترفض العنف وتقدس الحياة، لذا فإن أسوأ ما يشهده الإنسان اليوم -رغم تقدمه المادي- هو استمرار العنف على طريقة القرون الوسطى قتلاً وتشريداً وتنكيلا.
ويحيط العنف بمنطقتنا أكثر من أي مكان آخر في العالم فالصراعات العرقية والدينية والإثنية تتركز بشكل مستمر وتزداد يوماً بعد آخر، وكلما انطفأت نار في جهة اشتعلت في أخرى، ويولد العنف مزيداً من العنف، وتعصف القسوة بأرواح البشر، من دون نتيجة مرجوة.
في خضم هذا الدمار انبلجت فلسفة اللاعنف أو المقاومة السلمية، التي كان لها الأثر الفاعل في مواجهة اللامساواة والظلم بالسلام والتصالح، ابتداء بفلسفة اللاعنف للمهاتما غاندي مروراً بمارتن لوثر كينج ونيلسون مانديلا، حيث أثبتت نضالات الشعب الهندي في الوصول إلى أهدافه عبر سياسة اللاعنف ساتياغراها، إضافة إلى نضالات السود في الولايات المتحدة الأمريكية التي قادها كينج، ورفض نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا نجاعة اللاعنف عبر أمثلة حية حدثت في القرن العشرين ربما لم يكن ليكتب لها النجاح لو أنها اتخذت منحى مضاداً.
هناك حاجة ماسة لإعادة التفكير في إدارة الصراعات في العالم واستخدام وسائل ليس بالضرورة أن يكون العنف أولها وأساسها، فالحراك السلمي العالمي كان له تأثير كبير في تغيير المعادلات السياسية، ولطالما كان لحركات المقاومة السلمية في القرن المنصرم أثر فاعل آتى أكله ولو بعد حين، وقد أثبتت هذه الحركات التي نشأت حين لم تكن موازين القوى متكافئة، جدواها بعيداً عن الخيار الكلاسيكي ذي الأثر الآني والذي خلف مآسي بشرية يندى لها الجبين في تاريخ النضال السياسي حول العالم فإن كان الهدف سيتحقق فإن تحقيقه بالسلم أكثر ثباتاً واستقراراً وأقل تكلفة في الأرواح والممتلكات.
ورغم هيمنة الإعلام وازدواجية المؤسسات والدول إلا أن اللاعنف أكثر إقناعاً في القضايا العادلة في ظل واقع القانون الدولي وموازين القوى، وإمكانية التغيير بواسطة المقاومة السلمية من دون إراقة الدماء هي الوسيلة الأكثر نجاحاً وقدرة على جلب المكاسب السياسية وأكثر قدرة على إحراج الخصم أمام العالم أجمع.
العنف يولد العنف، والسلام يحتاج إلى شجاعة كبيرة حيث إن للعنف هيمنة كبيرة في الواقع الإنساني والاحتفال بالقتل يزداد يوماً بعد آخر، وللأسف تم تلخيص الحل في جميع مشكلات العالم بالنضال المسلح، رغم أن هنالك حلاً أكثر صلابة يتمثل في سياسة اللاعنف والتي تتطلب تخطيطاً وإدارة ونية حقيقية للوصول إلى غاياتها، لتجبر الخصم على التسليم بالحقوق المشروعة للشعوب وكبح جماح الدمار المنتشر بين البشر.