سياسة

المعارضة السورية تقدم نموذجًا بديلًا لإدارة الأسد في حلب


بعد أسبوع من سيطرة قوات المعارضة على ثاني أكبر مدينة في سوريا، في تقدم مفاجئ في عمق الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، بدأت مظاهر الحياة الطبيعية تعود إلى حلب ببطء.

وتم رفع حظر التجول الليلي وعاد الخبز إلى أرفف المخابز. وعاد رجال شرطة المرور إلى تنظيم حركة السيارات عند التقاطعات، وتحسنت تغطية الإنترنت مع توسع نطاق شبكة الاتصالات المرتبطة بالمعارضة، وفقا لما ذكره ستة من السكان وأظهرته صور التقطتها رويترز.

ويرى محللون أن هذه الخطوات جزء من مساعي يبذلها تحالف لقوات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام ليظهر للسوريين وللغرب أنه بديل عملي للرئيس بشار الأسد.

وكانت هيئة تحرير الشام في السابق فرعا لتنظيم القاعدة يعرف باسم جبهة النصرة. ولا تزال الجماعة الإسلامية، بقيادة أبو محمد الجولاني، مصنفة جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وتركيا والأمم المتحدة. وأمضت سنوات في محاولة تحسين صورتها.

وقال محمد خليل (52 عاما) وهو صاحب شركة سياحة “توقعنا أن يكون الوضع سيئا للغاية لكن الشباب تعاملوا مع المدينة بشكل جيد للغاية” في إشارة إلى مقاتلي المعارضة. وأضاف أن إمدادات المياه تشهد انقطاعا رغم عودة بعض الخدمات. وتتمتع المعارضة ببعض الخبرة في إدارة الشؤون المدنية.

وانفصلت هيئة تحرير الشام عن تنظيم القاعدة عام 2016 وتقول إنها لا تشكل تهديدا للغرب. وتسيطر بالفعل على مساحات شاسعة من محافظة إدلب المجاورة حيث أسست إدارة مدنية تابعة لها تسمى حكومة الإنقاذ تدير شؤون ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص خلال معظم فترة السنوات الخمس الماضية.

وهناك، انتخبت حكومات وجعلت الليرة التركية عملة يمكن تداولها بل وأنشأت شبكة للهاتف المحمول تسمى “سيريافون”، التي امتدت خدماتها الآن إلى حلب. وتقول منظمة (مجموعة حل الأزمات الدولية) للأبحاث إن هيئة تحرير الشام تجنبت أيضا التفسيرات الأكثر تشددا للشريعة الإسلامية.

لكن تحديات جديدة تتكشف مع تقدم المعارضة في حلب حيث كانت قوات الحكومة السورية قد طردت تحالفا سابقا للمعارضة من مناطق سيطرت عليها بعد سنوات شهدت حصارا وقصفا مدعوما من روسيا. وهو ما ترك ندوبا عميقة في المدينة القديمة، أحد المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو.

ويعيش في المدينة والمحافظة التي تحمل الاسم نفسه أقليات تمتد جذورها في المنطقة تشمل المسيحيين السوريين والأرمن والأكراد والشيعة، وكانوا مثل العديد من المسلمين السوريين الآخرين يشعرون بمخاوف طوال فترة الحرب المستمرة منذ ما يقرب من 14 عاما من أن يهدد الحكم الإسلامي نمط حياتهم.

وفي مسعى لطمأنة سكان حلب ومنهم الأقليات والصحافيون والموظفون الحكوميون، نشرت هيئة تحرير الشام بيانات عبر رسائل نصية تقول فيها إن سيطرتها على المدينة لن تهدد أمنهم. كما تعهدت بمواصلة تشغيل الخدمات الأساسية.

وعلق ناشطون بأن الجولاني قد تعلم الدرس ويسعى لتحسين صورته، وكتبت الإعلامية زينة ارحيم:

وحتى الآن، بقي المسيحيون إلى حد كبير في المدينة وأقاموا قداسا يوم الأحد الماضي بحضور عناصر من المعارضة.

وعلى النقيض من إدلب، حيث أسست المعارضة حكمها بالفعل في معظم أنحاء المحافظة بعدما تولت حكومة الإنقاذ إدارتها، تتوسع المعارضة الآن في معاقل الحكومة في تقدم سريع إذ تجاوز مقاتلوها حلب لمسافة 130 كيلومترا أخرى جنوبا ووصلوا إلى مدينة حماة، وربما أبعد من ذلك.

وقال نوار شعبان المحلل في مركز هرمون في إسطنبول أن “التحديات هائلة وهيئة تحرير الشام تعرف ذلك”، مشيرا إلى العدد المتزايد من السكان الذي تتحمل المعارضة مسؤولية إدارة شؤونه وتوفير خدمات فعالة له.

إلا أن الأمور لن تكون سهلة على الإطلاق. فقد تراكمت القمامة في شوارع حلب. وانخفضت قيمة الليرة السورية الأسبوع الماضي من 15 ألفا مقابل الدولار إلى نحو 22 ألفا. ومع تزايد برودة الطقس، قال سكان إنهم يخشون عدم وجود ما يكفي من المياه أو الوقود لتدفئة منازلهم.

ورغم مخاوفهم من انهيار الأمن في المدينة بعد سيطرة المقاتلين عليها، قال سكان إنهم سعداء لرؤية الحياة تستمر بشكل طبيعي على نطاق واسع مع فتح الأسواق والمخابز ومحطات الوقود، وإن كان الأمر لا يخلو من الطوابير الطويلة وارتفاع الأسعار.

وقال سعيد حنايا (42 عاما)، وهو من حلب ويملك متجرا صغيرا، إن المياه تمثل مشكلة لكن “المخابز كانت أفضل قليلا، ربما بسبب التوزيع (الأفضل) والمساعدات التي تأتي”.

وأظهر مقطع فيديو العشرات من أفراد القوات الحكومية يصطفون في طوابير بعد أن فتحت هيئة تحرير الشام مراكز يديرها مسلحون ملثمون يرتدون زيا أسود ويشجعون أفراد الأمن على الانشقاق والحصول على بطاقة مؤقتة تحميهم من أي ردود فعل انتقامية محتملة.

وتضمنت لافتة مطبوعة بشكل احترافي شروط الحصول على مثل هذه البطاقة.

واعتبر سابان أن هذا أسلوب جديد تتبعه هيئة تحرير الشام لتوضح مدى استعدادها لإظهار السعي إلى انتقال سلس إلى حكمها، دون إراقة الدماء التي كانت سمة لم تغب عن المراحل السابقة من الحرب السورية.

ومن بين المؤشرات الأخرى التي تعكس نواياها طباعة قوائم الأسعار في محطات البنزين بالليرة السورية، جنبا إلى جنب مع الليرة التركية والدولار. وحظرت هيئة تحرير الشام منذ فترة طويلة استخدام الليرة السورية في إدلب، لكنها سمحت باستخدامها هي والدولار في حلب.

وقال سابان “هيئة تحرير الشام تراهن على القبول الدولي لها بناء على طريقة إدارتها للمعركة والشؤون المدنية في المناطق التي سيطرت عليها، وخاصة تلك التي تضم أقليات”.

واتسم رد فعل الغرب بالحذر. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر هذا الأسبوع أن هيئة تحرير الشام مصنفة منظمة إرهابية لدى الولايات المتحدة. ودعا إلى عملية سياسية لخفض التصعيد وتحديد من يتولى قيادة البلاد.

وعلى عكس إدلب، أعلنت هيئة تحرير الشام في بيانات أنها لا تنوي إدارة حلب من خلال حكومة الإنقاذ. وقالت دارين خليفة الباحثة لدى مجموعة حل الأزمات الدولية والتي على اتصال بالجولاني إن الإعلان جاء لتجنب “عرقلة” وصول المساعدات الدولية “بسبب تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية”.

وأضافت “إنهم يفكرون في كل ذلك”، لكنها لفتت إلى أن كثيرا من السوريين ما زالوا يشعرون بالقلق إزاء تداعيات التطورات على حرياتهم الشخصية والدينية.

وأخبر الجولاني دارين يوم الثلاثاء بأن الهيئة تعتزم تشكيل “جهة انتقالية” لإدارة حلب – لا أن يتم تكليف حكومة الإنقاذ بتلك المهمة – وسيوجه مقاتليها لمغادرة المناطق المدنية “في الأسابيع المقبلة”، بحسب ما كتبت دارين على موقع إكس.

وقال عبد الرحمن محمد مسؤول العلاقات العامة في حكومة الإنقاذ إن المقاتلين بدأوا بالفعل الانسحاب من المدينة. وأضاف أن الجماعة لم “تتطرق بعد لشكل الحكومة السياسية المقبلة”.

وذكرت خليفة أن هيئة تحرير الشام “لا تزال تجري مناقشات بشأن كيفية حكم منطقة أكبر وأكثر تنوعا مثل حلب وربما حماة”. وسيطر مقاتلو المعارضة على حماة أيضا أمس الخميس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى